هل الهندوسية ديانة سماوية؟

من قسم منوعات
الأحد 14 مارس 1999|

حقيقة غريبة تتردد أحيانا في المواقع وحلقات النقاش الإسلامية الهندية، والتي تؤكد أن الرسول، محمد صلى الله عليه وسلم، مذكور باسمه في كل الكتب الهندوسية المقدسة، كما ذكرت صفات صحيحة عنه في هذه الكتب.

البروفيسور الهندي ورجل الدين الهندوسي فيد براكاش، عالم الدراسات السانسكريتية وهي اللغة المقدسة لدى الهندوس، والأستاذ بجامعة إلاه أباد، ومن أسرة هندية عريقة، ألف كتابا يلخص مثل هذه النصوص، والكتاب حسب مترجميه للإنجليزية، وهم مسلمان هنديان مقيمان باستراليا، يحتوي على تفصيل مدهش لدقة هذه النصوص في حديثها عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأوصافه الجسدية، وتفاصيل الأحداث التي مرت به، بما فيها مولده بمكة وتلقيه للوحي في غار حراء.

في رسالة بريد إلكتروني أخرى بثت على مجموعة نقاش للطلبة المسلمين بأمريكا الشمالية، يقول الباحث مير عبدالمجيد، الذي لخص الكتاب، بأن الرسالة الأساسية للكتاب هي أن الرسول المنتظر الذي تحدثت عنه الكتب الهندوسية المقدسة ومازال الهندوس ينتظرونه حتى اليوم هو في الحقيقة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.

عبدالمجيد، يقول بأن هذا الكتاب أثار الكثير من ردود الفعل في الهند، حيث الصراع الرهيب بين الهندوس والمسلمين، وكان الكتاب في البداية قد قدمه براكاش، لثمانية من كبار الباحثين الهندوس الذين اعترفوا «بقيمة الكتاب العلمية».

أحد أهم المواقع الإسلامية ذات المادة العلمية المكثفة يحتوي على كتيب يتناول هذا الموضوع بشكل مفصل كتبه البروفسور زد حق، عام 1990، أي قبل كتاب براكاش، وفيما يلي تلخيص سريع لأهم الأفكار التي ذكرها كتاب د. حق، وكتاب براكاش، حول هذا الموضوع المثير:

يوجد لدى الهندوس أربعة كتب مقدسة:

  • فيداس.
  • أوبانيشادس.
  • بوراناس.
  • وبراهماناس جرانث.

هذه الكتب كلها مكتوبة أصلا باللغة السانسكريتية.

فيداس، أهم هذه الكتب وأكثرها اعتمادا بين الهندوس، ينقسم أيضا لأربعة فصول، ثلاثة منها هي من أقدم النصوص الهندوسية المقدسة، وأقدم هذه الفصول هو ريج فيدا، والذي تختلف الآراء حول عمره الزمني، لكن معظم علماء الهندوس يرون أنها تعود إلى ما قبل أربعة آلاف سنة.

يلي فيداس في الأهمية كتاب أوبانيشادس، وإن كان بعض علماء الهندوس يرونه الأكثر أهمية، ثم يأتي بعدهم في الأهمية بوراناس، وهو المقروء عادة بين الهندوس، بينما من الصعب الحصول على كتاب فيداس.

كتب الهندوس هذه ظلت لفترة طويلة جدا متاحة فقط لعلماء الدين الذين يجيدون السانسكريتية القديمة، إلى أن جاء العالم الإنجليزي وليام جونس، الذي تعلم السانسكريتية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وترجم الكتب الهندوسية المقدسة للإنجليزية.

جونس، تعلم اللغة واطلع على الكتب رغم رفض علماء الدين الهندوس بأوامر من السلطان الهندوسي.

د. حق، حلل ما في الكتب الهندوسية المقدسة من روايات تاريخية وتنبؤات، ليجد مستندا على عدد من الأدلة أن «براهما»، الذي يعبده الهندوس، هو في الحقيقة نبي الله إبراهيم، عليه السلام، وأن «ساراسواتي»، هي نفسها سارة، زوجة النبي إبراهيم، عليهم السلام، وأن «مانوه»، هو نبي الله نوح، عليه السلام، وأن إسماعيل، وإسحاق، مذكوران أيضا في هذه الكتب.

كل هذه الكتب المقدسة ذكرت الرسول، صلى الله عليه وسلم، باسم «محمد» في «بوراناس»، واسم «ماماه» و«أحمد» في «فيداس».

أيضا هذه الكتب ذكرت بعضا من صفاته والأحداث التي مرت به، كما ذكرت الكعبة ومكة المكرمة باسم «بكة»، وهي مذكورة بذلك في القرآن الكريم كما هو معروف.

حسب هذه الكتب، الرسول، عليه الصلاة والسلام، والتي ينظر إليها الهندوس كصفات للرسول المنتظر، رجل يتكلم بلغة أجنبية يظهر في بلد أجنبي، ذو عمل حسن وذكي وذو علو روحي ويؤمن بالعظيم، الله، سبحانه وتعالى، ومن أبناء إسماعيل.

يقول النص في كتاب «بورانس»: «رجل أجنبي وأستاذ روحي يظهر بين أصحابه، اسمه محمد، ملاك يغسل محمد العربي، من كل الخطايا، ويقدم له الولاء والطاعة قائلا: «يا أعظم البشر المرسل في بلاد العرب لديك قوة عظمى لقتل الشيطان وأنت محمي من أعدائك الوثنيين.
يرسل الأجنبي لأرض معروفة من بلاد العرب، قبله يظهر رجل ضال أقتله _ يرى د. حق، أن المقصود هنا أبرهة الأشرم صاحب الفيل _ لنري أعدائنا الطريق الحق ونعطيهم الهداية نرسل إليهم رجل معروف بينهم اسمهم محمد، والذي أعطيته رسالة البراهما، ليحضر لهم الطريق الحق، وأعطيك رحمتي حيث كنت.
في الليل يأتي الملاك ليقول له، دينك سيظهر على كل الأديان لكن حسب أمر الروح العظمى _ فسرها د. حق، بأنه الله، سبحانه وتعالى _ أنا سأعطي القوة للقوم الذين يأكلون اللحم.
هذا النبي رجل مختون، بدون ذيل “على رأسه”، له لحية، يخلق ثورة، يعلن الأذان للصلاة ويأكل كل المباحات، هو يأكل كل اللحوم إلا الخنزير، بسبب حربهم مع الأمم الكافرة، سيكونون معروفين بالمسالمانس، المسلمين».

في كتاب «فيداس»، تذكر مدينة مكة المكرمة على أنها «أم القرى» و«مركز الأرض» و«بكة».

نص آخر يقول: «نحن نعطي ماماه “محمد”، مائة قطعة ذهب، وعشرة أكاليل، وثلاثمائة فرس، عشرة آلاف بقرة».

د. حق، يقول بأنه في الكتب الهندوسية تستعمل قطعة الذهب للتعبير عن الرجال المناصرين، وربما كان المقصود هنا الصحابة الذين هاجر ثمانون منهم للحبشة، بينما تستعمل الأكاليل لخير المناصرين، وقد يكون المقصود لعشرة المبشرين بالجنة، كما تستعمل الفرس للرجال المحاربين، وبذلك يكون المقصود الـ300 صحابي الذين قاتلوا في بدر، بينما البقر يستعمل للمصاحبين في الحرب والسلم، ويكون المقصود الـ10,000 صحابي الذين فتح بهم الرسول، عليه الصلاة والسلام، مكة.

ويربط د. حق، ذلك مع ما رواه البخاري، ومسلم، بأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، رأى رؤيا قبل الهجرة، وكان تفسيرها بعد ذلك أن ما رآه من البقر بيثرب يرمز للصحابة الذين قتلوا في أحد، رضوان الله عليهم.

في نص آخر، أن الرسول، يرسل لقوم تعدادهم «ستون ألفا وتسعون»، وهو عدد سكان مكة المكرمة عند البعثة، كما يدلل د. حق.

نص آخر يذكر أنه سيكون للرسول، عليه الصلاة والسلام، عدة زوجات، بينما تنص عبارة أخرى على ارتجاف شفتيه عند تلقيه للوحي.

نص آخر يقول بأن الله سيرسله لكل البشر ويكون ملجأ لكل إنسان.

نص آخر عجيب يروي كيف يكون هذا الرجل صانع سلام بين قومه عند بنائهم للبيت، وهذا ما حصل عندما اختلفت قبائل مكة على وضع الحجر الأسود قبل بعثته، صلى الله عليه وسلم.

أىضا نص آخر يذكر أن هذا الرسول، يرسل رسائل للملوك الكفار في كل الاتجاهات.

د. حق، أيضا يذكر عشرات النصوص الأخرى التي ليس هذا محلها والتي تنص على كونه يحكم بـ«قانون الرب» في الأرض، وأنه «الصادق، محب الصدق، شديد الحكمة، القوي الكريم، ماماه “محمد”، ابن الرجال الأقوياء ذوي الصفات الحسنة، رحمته تصبح معروفة بعشرة ألاف من أصحابه».

هناك نصوص أخرى عن كرمه وعطائه، ونصوص عديدة عن الكعبة المشرفة والتي تذكر باسم «بيت الله» وصفاتها ككونها غير متساوية الأضلاع تماما، وأن الحرم له 9 أبواب وحوله 8 جبال _ والتي يذكرها د. حق _ وأن كل الناس يذكرون الله بالتوجه إليها، وأن الكعبة يبنيها براهما “إبراهيم عليه السلام”.

في كتاب العالم الهندوسي، باركاش، نص يقول بأن اسم أبيه عبدالله، وأن اسم أمه سمومانيب، والتي تدل على الرحمة والأمانة، وهو معنى اسم أم الرسول، آمنة.

نصوس آخرى تروي أن هذا الرجل سيعيش على التمر والزيتون!، وسيكون من قبيلة موقرة في أرضه، وأنه سيتلقى الوحي في كهف “حراء”، وأن سيركب أسرع فرس يدور به الأرض “الإسراء والمعراج”، وأنه سيكون خبيرا في ركوب الفرس، ورمي السهام، والقتال بالسيف.

البروفيسور باركاش، يقول بأنه ليس من المعقول أن ننتظر رسولا يرمي بالسهام ويقاتل بالسيف ونحن في عصر الأسلحة الحديثة.

د. حق، في كتابه يقول باحتمالية أن الكتب المقدسة الهندوسية هي كتب سماوية كتفسير وحيد لصدق النبوءات التي يحتويها ويستند في ذلك على الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تؤكد أن كل قوم قد أرسل إليهم رسولا، وأن هناك الكثير من الرسل الذين لم تذكر أسمائهم في القرآن الكريم، وأن كل الرسل قد أخبروا قومهم بقدوم الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليهم العهد بالإيمان برسالته، صلى الله عليه وسلم.

د. حق، يقول بأنه لأن الهنود يعشقون تمجيد الأشخاص، تحول إيمانهم برسلهم كرسل من عند الله إلى عبادة هؤلاء الرسل وتقديسهم لدرجة اعتبارهم آلهة لهم من دون الله، سبحانه وتعالى.

ماهو رد فعل الهندوس؟

يقول د. حق، بأن بعض رجال الدين الهندوس كان ردهم بأن كتاب «بوراناس» الموجود ليس هو الحقيقي، وأن «بوراناس» الحقيقي مفقود، وهم يذكرون ذلك لأول مرة على الإطلاق بعد صدور هذه الأبحاث.

د. حق، يقول بأن هذا مستحيل، لأن هذا الكتاب هو واسع الانتشار بين الهندوس منذ العصور القديمة، ولا يعقل أن يأتي كل الناس فيما بينهم ويجمعون على إلغاء الأصل الحقيقي، وخاصة أن الإلغاء جاء بنص آخر يلغي الديانة الهندوسية ويطالبهم بالإيمان بالرسول، عليه الصلاة والسلام، وهو أمر غير معقول أن يقوم به أشخاص من أهل الديانة نفسها.

وإذا كان «بوراناس» محرفا من قبل مسلمين مثلا، مثل ملك ملابار الهندوسي تشاكراواتي فارماس، والذي اعتنق الإسلام في وقت مبكر جدا من التاريخ الإسلامي، فماذا عن باقي الكتب الهندوسية المقدسة المحفوظة فقط لدى رجال الدين الهندوس؟

واحد من المواقع المخصصة للهجوم على المسلمين على الإنترنت والذي سعى بتفصيل فيه الكثير من التضليل، للرد على ما يذكره المسلمون من ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الكتب السماوية كالتوراة، والإنجيل، تناول أىضا ما يوجد في بعض المواقع الإسلامية الهندية حول ذكر الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الكتب الهندوسية.

في محاولتهم للرد، ينقل الموقع عن أكاديمي هندي متخصص في الدراسات الهندوسية اسمه د. راج أرورا، بأن بعض أجزاء الكتب الهندوسية حصل فيها تدخل استمر حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

يدل على ذلك ذكر الاستعمار البريطاني للهند وحكم الملكة فكتوريا، لها في هذه الكتب، بالإضافة لذكر أسماء عدد من الشخصيات الهندوسية المتأخرة وللمصانع في كلكوتا، وهذا دليل بلا شك على مثل هذا التدخل المتأخر.

إلا أن أحد علماء الهندوس يرد عليهم بأن ذكر الاستعمار البريطاني والملكة فكتوريا، حصل في صفحات قليلة ومحدودة، وينبغي القول لمن لا يؤمن بصحة النصوص الهندوسية أن هذه الصفحات فقط التي أضيفت للكتاب المقدس.

الهنود المسلمون يشيرون أحيانا إلى أنهم لا يؤمنون بالكتب الهندوسية ككتب سماوية، ولكن يذكرون ذلك في مناقشاتهم ليحاجوا الهندوس بأن كتبهم تعاملت بشكل إيجابي مع المسلمين وذكرت الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولذا فهم أىضا يجب أن ينظروا من خلال هذا الإطار الإيجابي، أما الهندوس فهم يرون في هذه النبوءات دليل قاطع لا شك فيه على صدق ديانتهم وكتبهم، وعلى كل فستضحك كثيرا لو قرأت كيف تغيظ هذه الردود الهندوس الذين يبدؤون نقاشاتهم دائما بالشتائم والمسبات وينهوها بذلك، ولا تكاد تصل لعبارة سليمة تدلك على مايريد الشخص في نقاشه.

التجول في المواقع الهندوسية على الإنترنت يعطيك بسهولة الشعور بأن الهندوس شعب غاضب ساذج.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية