«العولمة الاقتصادية» ليست خيرا كلها

من قسم إدارة وأعمال
الأحد 21 نوفمبر 1999|

لما بدأت شركة فورد الأمريكية في عام 1996، برنامجها المكثف لإصلاح أنظمة الكمبيوتر لديها استعدادا لمشكلة العام 2000 الناتجة عن اختلال الكمبيوترات المتوقع في القرن الجديد، أعلنت الشركة أنها بإصلاحها لأنظمتها لا تتجاوز أسوارها الخاصة، وأن المشكلة أكبر بكثير من قرار شركة فورد وحدها.

المشكلة حسب ما لمحت إليه الشركة هو أن العالم أصبح صغيرا أكثر من اللازم، وأن العولمة الاقتصادية أدت لاعتماد الشركات الكبرى على أخرين مبعثرين في أنحاء العالم، مما يعني توقف مستقبل أداء الشركة الأم على الشركات المتعاملة معها في مختلف دول العالم.

إذا أصلحت «فورد» _ أو أي شركة أخرى لها تعاملات خارج حدود الدولة المقر _ أنظمة الكمبيوتر لديها فهل هذا يعني أن الشركات الأخرى في العالم النامي ستقوم بذلك؟

الجواب لا، والنتيجة أنه من المحتمل أن يكون مصنعي أحد القطع الأساسية في البرازيل غير قادر على تصنيع القطع، أو أن شركة شحن في الصين تقوم بجدولة خاطئة لمواعيد الشحن، أو أن شبكة الهواتف في لندن تتوقف عن العمل، كله بسبب توقف أنظمة الكمبيوتر في هذه الدول وعدم الاستعداد لفيروس عام 2000، وكله سيؤثر تأثيرا حادا على الشركة الأم والتي بنت نظامها على أن يكون كل هؤلاء في تناسق كامل.

«العولمة الاقتصادية» انتقلت من مفهوم فلسفي إلى أسلوب إداري متعارف عليه في أوساط كل الشركات في العالم الرأسمالي.

إذا كان من الممكن إنتاج قطعة ما في الصين أو البرازيل بالكفاءة نفسها التي يتم إنتاجها بها في أمريكا مع تكلفة تقل عن نصف التكلفة في أمريكا بسبب رخص اليد العاملة أو المواد الخام، فليس هناك مبرر لتصنيع القطعة في أمريكا على وجه الإطلاق.

هذا جعل التجارة العالمية شديدة التعقيد تمشي عابرة القارات دون أن يعلم أحد أن تبدأ سلسلة تجارية ما وأين تنتهي، كما أنه ليس من السهل تقدير النتائج السلبية لانقطاع السلسلة بسبب توقف أحد حلقاتها عن العمل.

مشجعو العولمة الاقتصادية يدركون الآن أنهم قد يدفعون السعر غاليا جدا إذا تحققت توقعات مهندسي الكمبيوتر بأن فيروس عام 2000 سيأكل كل أخضر ويابس لكل نظام كمبيوتر لم يتم إصلاحه.

الحلول التي لجأت إليها الشركات الأمريكية والكندية متعددة، أحد هذه الحلول هو تقييم كل اعتماد خارجي للشركة على شركات أخرى خاصة خارج الدول المقر، ووضع خطة طوارئ متكاملة لإيجاد شركات بديلة، وكتابة عقود استثنائية مع الشركات البديلة مبنية على أحوال الطوارئ.

خطة الطوارئ تشمل أيضا استراتيجيات تسويقية معينة لا تشعر المستهلك بحجم المشكلة، فمثلا بدلا من الإعلان عن تسليم البضاعة بعد 48 ساعة من الشراء تجعل الفترة أسبوعا أو أسبوعين.

الدراسات الحديثة تقول أن 98% من الشركات الأمريكية و60% من الشركات الأوروبية تملك خطة طوارئ كهذه.

الحل الآخر وهو الذي لجأت إليه شركات السيارات الأمريكية، هو تكوين منظمة تضم «فورد»، و«جنرال موتورز»، و«كريسلر»، وانضمت إليها فيما بعد «تويوتا»، و«فولفو».

هدف هذه الشركة هو حث كل الشركات الخارجية التي تعتمد عليها هذه الشركات لحل مشكلة العام 2000 في أنظمة الكمبيوترات لديها ومساعدتهم ماديا وبالخبراء لتحقيق ذلك.

أثبت هذا الحل فعاليته بسبب توفيره للكثير من الجهود والتكاليف المادية حين تتحملها عدة شركات ضخمة في وقت واحد.

الحل نفسه لجأ إليه اتحاد السوبرماركات البريطاني وعدة اتحادات أخرى.

طبعا هذا لن يحل المشكلة تماما، لأن بعض فروع السلسلة التجارية ليس للشركات عقود تجارية مباشرة معها.

على سبيل المثال، تقول التقارير أن شركات الهاتف وشركات الكهرباء حول العالم هي الأقل استعدادا في أوساط الشركات المعتمدة على شبكات الكمبيوتر لمشكلة العام 2000.

هذا يعني أنه حتى لو كان الجميع مستعدا للمشكلة فإن الاتصالات بينهم قد تنقطع بطريقة تمنع من اكتمال العمل بشكل مناسب.

حتى لو قامت شركة مثل «جنرال موتورز»، بالتأكد أن شركة الاتصالات التي تعتمد عليها مثل «إي تي آند تي»، قد عالجت أنظمة الكمبيوتر الخاصة بها، فإن «إي تي آند تي»، نفسها قد تعاني من مشكلات حادة بسبب اعتمادها الإداري والتقني على شركات صغيرة كثيرة في مختلف أنحاء العالم.

هذه المشكلة أدت لإنشاء «اتحاد مستعملي وسائل الاتصال العالمي في عام 2000» بالعاصمة الأمريكية واشنطن، والذي يضم أكثر من 20 شركة أمريكية كبرى.

هدف هذا الاتحاد هو تقويم أداء شركات الاتصال في مختلف دول العالم وإيجاد بدائل تقنية لاستعمالها في حال الطوارئ حتى يتم انتهاء كابوس العام 2000.

هذا الاتحاد وغيره من المنظمات كان لها الدور في الضغط على البنك الدولي بواشنطن، والذي قام بإرسال ممثلين لمختلف دول العالم النامي يدعون هذه الدول إلى معالجة مشكلة عام 2000 وعارضا قروض بفوائد مخفضة لمساعدة الدول على تكاليف علاج المشكلة.

طبعا هذه الجهود لم تثمر دائما عن أداء جيد في بعض كبرى الدول النامية.

على سبيل المثال، وضعت الهند خطة لإصلاح أنظمة الكمبيوترات بمطاراتها، وبناء على هذه الخطة فإنها بنهاية هذا العام الميلادي ستكون الهند انتهت من تحديد كل الأنظمة التي ستعاني من مشكلة العام 2000، الأمر الذي انتهت معظم مطارات العالم منه قبل أكثر من عام.

الهند تقول، أنها خلال الأشهر الثلاثة الأولى ستقوم بإصلاح كل أنظمة الكمبيوتر في مطاراتها، الأمر الذي احتاج المطارات الأمريكية والأوروبية أكثر من 18 شهرا للانتهاء منه.

بالنسبة لشركة عالمية كبرى هذا يعني أن أحد فروع الشركة بالهند والذي يقوم بتصنيع أحد قطع الغيار قد يكون في لحظة ما غير قادر على إرسال بضاعة بالشحن الجوي بسبب فوضى متوقعة لفترة غير محددة في المطارات الهندية.

هذه المشكلة موجودة في كل دول أفريقيا السوداء ما عدا جنوب أفريقيا، موريشيوس، ساحل العاجل، نيجيريا، نامبيبا.

روسيا هي مثال آخير قد يدفع الثمن غاليا نتيجة انعدام الاستعداد لمشكلة عام 2000.

حتى لو أصلحت كل أنظمة الكمبيوتر التي تحتاجها شركة ما، فإن أحدا لا يعرف ماذا سيحصل للاقتصاد العالمي.

في أمريكا، حيث يوجد حديث يومي عن مشكلة العام 2000 في وسائل الإعلام، يتوقع من معظم الناس أن يقوموا بسحب كمية من النقود والاحتفاظ بها نقدا في بيوتهم مع بدء العام 2000، بالرغم من تأكيد البنوك بأنها قامت بإصلاح أنظمتها.

هذا يعني إقبالا شديدا على النقد، مما قد يسبب خلالا كبيرا للاقتصاد الوطني.

هذا ما دعى البنك المركزي الأمريكي الأسبوع الماضي لطبع خمسين مليار دولار إضافي من النقد احتياطا لهذه المشكلة.

هل معنى هذا الكلام أن العالم سينهار اقتصاديا مع حلول العام 2000؟

طبعا لا، أو بالأصح لا أحد يعلم الحقيقة.

الكل ينتظر ليرى، وإن كان عدم الاحتياط في حال حصول الأسوأ قد يعني النهاية لشركة أو اقتصاد منطقة ما.

كما أن الاحتياط قد لايحمي أيضا من حدوث السيء في ظل «العولمة الاقتصادية».

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية