لماذا يفشل الدعاة المسلمون في الغرب؟

من قسم منوعات
الخميس 14 مايو 1998|

ليس جديدا القول بأن منهج الدعوة الإسلامية في بلاد الغرب يختلف في بعض جزئياته عن منهج الدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي، ولهذا قد يعود السبب في ما يشاهده المسلمون في الغرب من عدم نجاح الكثيرين ممن يتكبدون الصعاب ويأتون من العالم الإسلامي لدول الغرب للدعوة بين الأقليات الإسلامية فيها _ على الأغلب _ أو للدعوة بين غير المسلمين، ثم يبدو واضحا عدم إلمامهم بطبيعة الوسط الذي يدعون فيه.

«الصبر واللين وحسن الخلق والتدرج بالناس وفهم عقلياتهم ومستواهم والظروف التي تحيط بهم وقبل ذلك العلم الشرعي هي شروط هامة لكل داعية مسلم، وتتركز الحاجة إليها بالذات في الداعية المسلم بالغرب»، هذا ما ابتدأ به الشيخ عبدالجليل المذكوري، إمام المركز الإسلامي بأكلاهوما سيتي، جنوب وسط الولايات المتحدة الأمريكية.

يقول الشيخ عبدالجليل، بأن من أهم الأساسيات للداعية في بلاد الغرب أن يميز أهدافه وأولوياته، ماذا يريد أن يحقق من خلال دعوته للناس، ولعل أهم الأولويات التي يجب أن يسعى إليها الداعية التركيز على الجالية الإسلامية والسعي للترقي بهم في مسائل دينهم من النواحي العقدية والعبادية والأخلاقية والمعاملات وذلك من خلال طرح شمولي لخدمة كل جانب بما يحتاجه المسلمون في البلد الغربي خاصة.

ففي الجانب العقدي، يركز الداعية على سلامة العقيدة من كل أدران الشرك وصوره المرتبطة بالعالم الغربي خاصة مثل المشاركة في المناسبات ذات الطابع الديني النصراني المحض، وأن يترقى الداعية بالناس في مسائل القضاء والقدر والإيمان بالآخرة لغلبة الطابع المادي على الحياة بما يشغل الناس عن هذه القضايا.

أما في جانب المسائل العبادية، فيركز الداعية على الأساسيات التي تغيب عن كثير من المسلمين في الغرب وخاصة فيما يتعلق بالصلاة والصوم والزكاة والحج والتركيز على صفتها الصحيحة والتخلص من البدع التي تشوبها عادة في بلاد الغرب.

في الجانب الأخلاقي، يجب على الداعية إعطاءه اهتماما خاصا لأن الرسول، عليه الصلاة والسلام، يقول «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ودول الغرب لها سلبيات كثيرة تؤثر على أخلاق الناس وخاصة منها الروح الفردية والذاتية التي أثرت على المسلمين فصار الكثير من شباب المسلمين ينتقلون من بيوت والديهم إلى بيوت مستقلة بهم عند بلوغهم السن القانونية، 18 عاما، وكثير منهم قلت بينهم الشفقة والرحمة وضاعت قيم الإخلاص والتراحم والقرض الحسن وذلك كله لضغط الحياة المادية.

أخيرا، من ناحية جانب المعاملات، فهناك مسألتين رئيستين في بلاد الغرب:

  • الاهتمام بالاحتكام للشرع، حيث لا يوجد لدينا هنا محاكم إسلامية، والمسلمون يذهبون بمشاكلهم الكثيرة للمحاكم الأمريكية والتي ربما حكمت بما يخالف شرع الله في مسائل الزواج والطلاق والأحوال الشخصية والخلافات الفردية.
  • والمسألة الثانية قضايا البيع والشراء والمعاملات المصرفية، وهذا يحتاج بالطبع للعلم الشرعي وفهم القضية المسئول عنها ودراسة الجواب قبل النطق به.

وينبه الشيخ عبدالجليل المذكوري، أن الداعية في الغرب لابد أن يفهم الواقع الذي هو مختلف في كثير من جوانبه عن العالم الإسلامي، فهناك أولا فروق كبيرة بين المسلمين من أصل غربي والذين اعتنقوا الإسلام وبين الوافدين من العالم الإسلامي وهذا سبب لكثير من المشاكل، فتركيبة المسلمين في الغرب معقدة ومن الخطأ الإتيان من الشرق مع عدم المعرفة بواقع الناس مما يخلق إشكاليات كثيرة، وعلى الداعية أن يحاول معرفة من جاء هؤلاء الناس من قبله من الدعاة وما زرعوه من أفكار، لأن المسلمين في بلاد الغرب معرضون لأناس من مشارب كثيرة، وربما لا يدرك الناس ضلال البعض ثم يجدوا التعارض فيحصل سوء فهم، كما أن على الداعية التنبه أن الناس في الغرب تعودوا على الجدال والنقاش والرأي تأثرا بطبيعة المجتمع الغربي، ولذا فعلى الداعية أن يكون ذا قدرة على الإقناع ويحمل من النص والدليل والحجة القوية ولا يكتفي فقط بتقديم الرأي الشرعي على أنه الرأي الراجح بدون تقديم الحجة حتى لو عرف الداعية أنه بين مسلمين يفترض أن يسلموا بالآراء الشرعية دون جدال.

أيضا على الداعية بالمقابل، حسب تأكيد الشيخ عبدالجليل المذكوري، التنبه لإيجابيات المسلمين في الغرب، ومن أهم هذه الإيجابيات أن القطاع الأكبر من المسلمين على جانب كبير من التعلم والثقافة ويحملون شهادات عالية، وهذا يجعل مستوى الناس متقارب ومستوى فهمم للقضايا جيد، كما أن المسلمين في الغرب لديهم خير كثير بسبب رؤيتهم لآثار الانحلال على المجتمع الغربي وإدراكهم لنعمة الإسلام، وكم من الناس جاء من العالم الإسلامي ونيته الانحلال فيصبح ملتزما أكثر مما كان من قبل، كما أن كثيرا من المسلمين وصلوا لمستوى مادي عالي ويبحثون عمن يرشدهم لكيفية إنفاق هذا المال على الوجه الصحيح.

ولابد للداعية أن يذكر الناس بما أنعم الله عليهم من الخير وواجبهم نحو الآخرين من الفقراء في الغرب أو في العالم الإسلامي.

أيضا يذكر الشيخ عبدالجليل، بمسائل تفرز الكثير من المشكلات في وجه الداعية المسلم في الغرب، والتي يجب مراعاتها والتعامل معها لتحويلها لميزات إيجابية تعمل لصالحه، ومن هذه المسائل تنوع المسلمين الشديد الذين جاءوا من مختلف الأقطار والثقافات والتقاليد المتنوعة، وهذا التنوع مذكور في القرآن كميزة في خلق البشر «لتعارفوا»، وعلى الداعية أن يفكر في تحويل هذا التنوع لصفة إيجابية.

هناك أيضا اختلاف المذاهب الفقهية، فالمدعوون قد ينتمون للمذاهب الأربعة جميعا فعلى الداعية أن يتنبه لذلك في فتواه فلا يتعصب لمذهب كما يراعي تعصب بعض الناس وآراء مذاهبهم الخاصة في بعض المسائل.

قضية أخرى هامة تمثل اختلاف أولويات الدعاة، فالكثير من الدعاة يختار أولوية معينة يراها الأهم من بين كل المسائل ويركز عليها ويؤثر بذلك على الناس ثم يأتي من لديه أولوية أخرى فيحصل تشويش لدى الناس، وربما حصل تضارب بين المساجد والمراكز الإسلامية في اختيار كل منها لأولوية معينة والتركيز عليها في الأنشطة الإسلامية والدعوية.

أيضا؛ ينبغي التنبه أنه يوجد بين المسلمين في مساجدهم ومراكزهم الإسلامية أفراد ينتمون لفرق ضالة، وهؤلاء لا يمكن إبعادهم من المساجد واستفزازهم قد يفزر الكثير من المشاكل، فعلى الداعية أن يفهم تركيبة المدعوين ويتحدث بحكمة فلا يجامل في الدين ولا يحدث فتنة.

هناك أيضا أتباع للكثير من الجماعات الإسلامية، والتي أصلها غالبا من العالم الإسلامي، وكل جماعة تظن أن مالديها الصحيح وما لدى الآخرين خطأ.

من المشكلات أن الكثير من الدعاة يأتي بخطب حماسية وعاطفية تؤثر في الناس في لحظتها ويختفي أثرها بمجرد خروجهم للمجتمع ولأعمالهم، بينما لا يهتم هؤلاء الدعاة بتأصيل النواحي الشرعية في المسائل التي تغيب عن الناس.

أيضا هناك أشخاص تركزت لديهم النعرة القومية لجالياتهم الصغيرة ولبلدانهم فلا يتقبلوا الأخرين وينفروا من الناس كما ينفروا الناس منهم.

وعلى كل حال فعلى الداعية أن يركز دائما على المسائل المتفق عليها التي يحتاج الناس إليها ويبعد عن المسائل الخلافية ما أمكن.

أخيرا؛ يشير الشيخ عبدالجليل المذكوري، أن على الداعية أن يشجع الناس ويحثهم على الدعوة إلى الله وسط غير المسلمين الذين نتعايش معه، وهم بلاشك يحتاجون للدعوة ولمن يساعدهم من الخلاص مما هم فيه من ضياع، والذين فقدوا كل شئ ذا قيمة في حياتهم ويتعطشون لما يشبع جانبهم الروحي، وربما يختلف المجتمع الأوروبي ذات التراث والحضارة القديمة عن المجتمع الأمريكي الذي لا يرتبط بجذور مسيحية عميقة وينتشر بين الناس الإلحاد والفراغ الروحي، ولذا فهم جاهزون لكل شئ، والدعوة إلى الله بين غير المسلمين تحتاج لمن يتخصص في ذلك فيكون هناك برنامج متناسب مع طريقة تفكير الغربيين ولا يعتمد فقط على نشر الكتيبات.

ويقترح الشيخ المذكوري تطوير المراكز الإسلامية من خلال برنامج تنفذه هذه المراكز بالتعاون مع حكومات ومنظمات العالم الإسلامي، بحيث يتم اختيار اثنين أو ثلاثة من نجباء الجالية الإسلامية لمن يتقن اللهجة الأمريكية جيدا وتربوا في هذا البلد وخبروه جيدا، فيبعثون للعالم الإسلامي لدراسة العلوم الشرعية ليعودوا بعد ذلك ويأخذوا مواقعهم في المراكز الإسلامية التي ابتعثوا منها، ومثل هذا العمل ليس فرديا بالطبع بل هو عمل مؤسساتي متخصص.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية