«العمل الخيري في العالم الإسلامي»

من قسم منوعات
الأحد 07 يونيو 1998|

اعتمد العمل الخيري المؤسساتي خلال السبعينات وربما فترة من الثمانينات الميلادية على المتطوعين، لكنه تطور خلال العقد الأخير ليصبح أكثر استقرارا وذلك من خلال توظيف متفرغين للعمل في تلك المؤسسات.

هذا ما يؤكده محمد شحادة، المدير العام لمؤسسة النجدة العالمية بشيكاغو، أحد أبرز المؤسسات الخيرية الإسلامية في أمريكا والتي تأسست عام 1992، مضيفا أن الخدمات التطوعية المتخصصة مازالت لها أهميتها التي تكسب العمل الخيري قوة وانتشارا وخاصة في مجالات الترويج للمشاريع الخيرية وبرامج جمع التبرعات وتنظيم اللقاءات العامة الهادفة لتمويل أعمال المؤسسة الخيرية وماشابهه.

إلا أن المؤسسات الإسلامية تبقى في العديد من الجوانب متأخرة عن المؤسسات الخيرية الغربية، ولكن محمد شحادة، ينبه أن المقارنة لن تكون عادلة أبدا إذا لم ينتبه لعامل رئيسي هو المال، سواء على صعيد المدخول العام، أو على صعيد المخصص للعمل الإداري “المصاريف الإدارية”، فلو أخذنا المؤسسات الإغاثية التابعة لهيئة الأمم المتحدة كمثال للمؤسسات الإغاثية الغربية لوجدنا أن قرابة 90% من مدخول هذه المؤسسات مخصص للعمل الإداري على مختلف مستوياته، وهذا يؤهلهم لامتلاك طاقات بشرية ضخمة تعمل معهم وإمكانيات تكنولوجية كبيرة ومصاريف واسعة للإعلان، بينما المؤسسات الإسلامية _ على العكس _ تحاول ما أمكن تقليل المصروف الإداري إلى أقل الحدود ليصل حوالي 10-20%، بحيث يصل الباقي للفقير ولذوي الحاجة، وهذا يجعل المؤسسات الغربية أكثري بروزا ولها آلية إعلامية ضخمة تخدمها بمختلف الوسائل بما فيها، على سبيل المثال، الإعلانات التلفزيونية المعروفة بارتفاع سعرها.

ويضيف محمد شحادة، بأن المدخول العام متفاوت تماما بين المؤسسات الإسلامية والغربية، فبينما معدل مدخول المؤسسة الخيرية الإسلامية في أمريكا 5.1 مليون دولار فقط سنويا، يشكل هذا المبلغ ميزانية أسبوع واحد أو مشروع واحد للمؤسسات الغربية التي يصل حجم ميزانيات بعضها لضخامة ميزانيات بعض الدول.

ويجب ألا ننسى أيضا أن المؤسسات الإسلامية الخيرية حديثة عهد في هذا المجال والتي لاتزال في مرحلة التأسيس، لكن المؤسسات الخيرية تحمل خبرات عشرات السنين مع العمل التي تجعلهم بارزين في مجالات معينة، إلا أن محمد شحادة، يكاد يجزم أن إنفاق الأموال في المؤسسات الإسلامية أكثر فعالية منه في المؤسسات الغربية.

من جهة أخرى، يعاني العمل الخيري الإسلامي من العديد من الثغرات، منها على سبيل المثال ازدواجية العمل بين هذه المؤسسات.

يقترح محمد شحادة، سبيلين يمكن للمؤسسات الخيرية الإسلامية اتباعهما لتفادي الازدواجية في العمل الخيري:

  • أولا: من خلال تنسيق الأعمال والخبرات، وقد تم العام الماضي على سبيل المثال، تأسيس «مجلس المؤسسات الخيرية الإسلامية الأمريكية» لهذا الغرض، والذي تشارك فيه مؤسسة النجدة العالمية كعضو مؤسس وعضو منتخب في لجنته التنفيذية، مشيرا إلى أن المجلس أمامه طريق طويل لتنسيق العمل، لكنه على كل حال بداية سليمة على هذا الطريق.
  • أما السبيل الآخر فهو التخصص، وهذا حاصل إلى حد ما، إما في مجالات العمل أو جغرافيا، فتجد مؤسسة تختص في العمل داخل فلسطين، والناس يدعمونها لهذا الغرض، وأخرى تتخصص في العمل في الهند، وثالثة في البوسنة أو الصومال وهكذا.

هناك أيضا التخصص في مجال العمل، فتجد مؤسسة تركز معظم جهودها على الإعانات الطبية وأخرى على العمل الدعوي وثالثة علي التنمية، ولاشك أن هناك بعض الازدواجية في نفس العمل ونفس مجال العمل أحيانا، ولكن حل ذلك يكون بتنسيق الجهود والتعاون المشترك للوصول لنتائج فعالة.

ويشير مدير مؤسسة النجدة العالمية، إلى بعض العوائق الأخرى، ومن هذه العوائق أن المؤسسات الإغاثية ولدت لسد حاجة ما نتجت بسبب الكوارث والحروب كالحرب الأفغانية والبوسنوية والشيشانية وما خلفته من ويلات ومصائب، وكان تفاعل الناس مع هذه الأحداث عاجلا قصير المدى كردود أفعال عاطفية لما يشاهدونه ويسمعونه من وسائل الإعلام، ولكن آثار تلك الحروب وما تخلفه يبقى سنين طويلة بعد توقفها، إلا أن تفاعل المسلمين يقل كثيرا بعد انتهاء الحدث، وذلك بسبب عدم الشعور بضرورة المشاريع التنموية، فالمشاريع الإغاثية العاجلة قصيرة المدى التي تصاحب كارثة ما تجد تفاعلا معها، لكن التحدي يكمن في المشاريع التنموية طويلة المدى التي لا تجد تفاعلا مناسب معها.

أما التحدي الآخر فهو الحملات الإعلامية التي تشن على المؤسسات الإسلامية، وذلك لأنه وجد أنها تمثل الأخوة والوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية، ولكن بحمد الله هذه الحملات بدأت تضعف بعد أن أثبتت تلك المؤسسات جدرارها ووضوحها في عملها.

لكن بالمقابل هناك بعض الأخطاء التي يعاني منها العاملون في المؤسسات الخيرية الإسلامية، وأبرزها هو تقليد المؤسسات الغربية في عملها وأسلوب إجراءات عملها من أكبر الأخطاء التي قد تقع فيها المؤسسات الغربية، فأولا تفادي الخطاب الإسلامي أو إسلامية العمل، ثم اتخاذ الأسلوب الغربي في الترويج للمشاريع، ثم إنشاء مشاريع ليست فعالة بل مجرد تقليد لمشاريع المؤسسات التنصيرية.

كل ذلك من الأخطاء، مثال ذلك أن كثير من المؤسسات الغربية في بلادنا الإسلامية تقوم بإنشاء معاهد لتعليم الكمبيوتر واللغة الإنجليزية كوسيلة لنقل الحضارة الغربية، وأحيانا التنصير، وتجد مؤسسات إسلامية تنشأ في بلد إسلامي فقير _ تنشط فيه المؤسسات الغربية في نفس المجال _ معاهد لغة وكمبيوتر تاركة المجال الدعوي المباشر أو غير المباشر من خلال الحملات الإغاثية الضرورية.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية