في مقال سابق تحدثت عن توقعات بأن يكون عام 2012 عاما للتقنين والسياسات في عالم الإنترنت، وذلك ببساطة لأن هناك جهودا ضخمة بذلت خلال العام الماضي على مستوى المؤسسات التشريعية والقضائية في مختلف أنحاء العالم لمعالجة قضايا الحرية والنشر والخصوصية لشبكة الإنترنت.
بدأ العام بإعلان “جوجل” بشكل واسع لسياستها الخاصة بالسرية، والتي توضح فيه بشكل مبسط أنها ستستمر في ما كانت تقوم به من استخدام للمعلومات الشخصية في البحث، وتجبر كل مستخدم لخدماتها للموافقة على السياسة، بما يشبه العقد بينها وبين المستخدمين، هذا لا يعني أن سياسة “جوجل” سيئة، ولكنها ليست تماما كما يريدها المشرعون وخاصة في أوروبا.
بعدها بأيام جاءت “تويتر” لتعلن رسميا أنها صارت جاهزة لتطبيق أي أحكام قانونية تتعلق بالنشر، وجاء ذلك بعد جهد تقني وبرمجي ضخم، بذل تحت ضغط عدة تشريعات قانونية بما فيها قانون SOPA الملغي والذي يلزم الشبكات الاجتماعية بحذف الروابط لمحتوى غير قانوني.
لكن “تويتر”، الموقع الذي مثل دائما واحة المعارضين والغاضبين والعمل السياسي، لم يقدم سياسته الجديدة بشكل مناسب، وكان إعلاميا ضعيف في التعامل مع المشكلة، فأثار غضبا عالميا هائلا، واستخدم المعارضون “تويتر” نفسه ليعاقبوا “تويتر” ويعبروا عن غضبهم وخوفهم من سياسات الرقابة الجديدة.
فجأة أعلن الموقع الذي انطلقت منه الثورة ضد الحكم الإيراني وثورات الربيع العربي وآلاف الحملات بأنواعها أنه سيستمع لصوت المحكمة المحلية، وكأن من كتب البيان يعتقد أن الجمهور في كل دول العالم يرى مصداقية لتلك المحاكم، مما يعني وجود انفصال كامل بين العلاقات العامة في “تويتر” وبين حقيقة جمهور “تويتر”.
كان بيان “تويتر” يعطي الإيحاء بأنه سيتعامل مع كل طلبات محاكم الدول باهتمام، ولم تكن فيه من العبارات ما يكفي بأنها ستقاوم هذه الضغوط إذا استطاعت ذلك.
حكاية “تويتر” والمقاطعة التي حصلت تؤكد ثلاثة أمور رئيسية:
- الأولى: مواقع الإنترنت الكبرى وخاصة الشبكات الاجتماعية ليست تماما ملك لأصحابها بل هي ملك للجمهور الذي صنع نجاحها، واستفزاز هذا الجمهور يعني بالضبط خسارة سبب النجاح الرئيسي لهذه المواقع.
- الثانية: هناك ضغط حقيقي على المواقع الكبرى – وجميعها أمريكية – من مختلف دول العالم لتحجيم الحرية التي تتمتع بها، وإذا كانت تلك المواقع تعتمد في السابق على حماية الحكومة الأمريكية فإن التراجع السريع لفعالية السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما يكشف أن هذه المواقع تشعر بأن تلك الحماية لم يعد يعتمد عليها بما يكفي.
ليس ذلك فحسب بل إن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أثنت على القرار في بيان رسمي، مما يعني أن الأمريكيين فقدوا بوصلتهم في هذا الموضوع كما فقدوها في قضايا دولية أخرى كثيرة خلال العامين الأخيرين.
- الثالثة: الجمهور خائف جدا من ضياع “الحرية الإلكترونية” التي يعيشها، ولذا سيرد بمبالغة على كل خطوة في الاتجاه المعاكس لحريته، والجمعيات المدنية ستبذل جهدا في هذا الاتجاه لأنها ترى نفسها الخاسر الأكبر في هذه الحكاية، كما فعلت جمعية “صحفيون بلا حدود” مع بيان “تويتر”.
جزء آخر من الحكاية هو أن “تويتر” تعد لعام 2012 أن يكون عام الأرباح، حتى تستعد بعده لدخول السوق المالية، وهي بهذا القرار تظن أنها ترضي الحكومات والشركات، استعدادا لتحركها الإعلاني، غير مدركة أبعاد ذلك على الصورة الذهنية للموقع.
من جهة أخرى، فإن الميزة الوحيدة لقرار “تويتر” أن الموقع يعلن بصراحة أنه لن يزيل المحتوى الذي يمنع داخل دولة معينة، وهذا معناه أنه بقدر ما يعد الصينين أو الإيرانيين مثلا – حيث ما زال الموقع محجوبا – بأنه سيزيل ما يراد إزالته إلا أنه كذلك يعد بتحقيق ذلك في الصين أو إيران فقط، وهذا معناه من الناحية العملية أن الدول ستحقق تأثيرها على “تويتر” داخل حدود الدولة فقط، وهو ما يحصل على كل حال من خلال الحجب في الدول ذات الأنظمة المتشددة.
أضف إلى ذلك، أن الجمعيات المدنية سيمكنها مراقبة مستوى الحجب من دولة إلى أخرى لأنه سيكون هناك إشارة للمحتوى الممنوع.
الخطوات القادمة ليست إيجابية في رأيي؛ مواقع أخرى ستخرج خلال الفترة القادمة لإعلانها سياسات مماثلة مستغلة الضجة ضد “تويتر”، حتى تمر السحابة على الجميع دفعة واحدة.
من جهة أخرى، ستبدأ المؤسسات التشريعية في مختلف دول العالم بإصدار قوانين واضحة لما يمنع نشره على الشبكات الاجتماعية.
هذا العام لن يكون لطيفا بالنسبة لسكان العالم الافتراضي !