كيف تتحرك الجماهير على الإنترنت ؟

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 07 مارس 2011|

قبل عدة أيام، أراد نجم المسلسل الأمريكي “رجلان ونصف” تشارلي شين (Charlie Sheen) أن يصعد المعركة مع طليقته حول من يتولى حضانة أطفالهما، ففتح حسابا له على “تويتر”، وخلال 25 ساعة، كان لدى شارلي مليون متابع، وهو أسرع وصول إلى المليون في تاريخ “تويتر”، ودخل على أساسه موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

هناك إيحاءات كثيرة لما يعنيه تحقيق رجل مشهور لهذا الرقم الذي يحوله لرجل أكثر فعالية من كثير من الصحف والمجلات حول العالم التي لا توزع هذا العدد من النسخ، وكيف استطاعت الشبكات الاجتماعية أن تعطي للشهرة معنى آخر.

أحد المقالات الأمريكية تساءلت ماذا يعني مثل هذا الإقبال الجماهيري على رجل عرف بمخالفته للقيم العامة وبأنه “بلاي بوي” وعرف بسخافة ما يكتب كذلك، وهل هذا يعني تحولا جذريا في الثقافة الأمريكية، كما تحدث آخرون عن كيف يستطيع المشاهير استغلال تعاطف الجماهير معهم لكسب المعارك لصالحهم.

النقاش أخذ أيضا أبعادا أخرى لما عرف أن شين – صاحب أكبر دخل من مسلسل تلفزيوني حتى اليوم – قد وقع عقدا مع شركة متخصصة يقوم بموجبها بترويج المنتجات عبر “تويتر” مقابل مبلغ معين.

هناك أيضا بعد هام في فهم هذا الموضوع، وهذا البعد له قيمته في فهم تأثير الإنترنت والشبكة الاجتماعية على حياتنا اليوم.

تخيل الأمر في أبسط صوره، فاستخدام الإنترنت، سواء على الكمبيوتر أو الموبايل، أصبح إدمانا نذهب لممارسته قبل أن نحدد بالضبط ما نريد أن نفعله أو نشاهده هناك.

بمعنى آخر، هناك ملايين الناس حول العالم تزور شبكة الإنترنت وهي تبحث عما تفعله، وقد أعدت العدة لقضاء عدة ساعات – كما اتفق – وكما تقودهم الرياح، ولذا تم اشتقاق المصطلح الإنجليزي لاستهلاك الإنترنت (Surfing) بركوب أمواج البحر.

هناك سبب رئيسي لهذه الحالة النفسية لمستخدمي الإنترنت وهي أن الخيارات لما يمكن فعله عددها خرافي، ولا بد أن يكون هناك نوع من الاستسلام للمؤثرات التي تقودنا نحو ما نريد استهلاكه للتغلب على حيرة الاختيار هذه.

إن فهم الطرق التي تحول الجماهير في اتجاه معين مهم جدا لأنه يعني أن نفهم كيفية جذبهم لزيارة موقع معين أو تلقي رسالة ما، وبالتالي التأثير فيهم في الاتجاه المناسب، وهو الأمر الذي يتصارع عليه مواقع الإنترنت وكل من يريد إحداث أثر ما في سكان العالم الافتراضي.

من الواضح أن الشهرة أو معرفة الناس المسبقة بشخص معين، هي أحد الطرق الهامة لكسب اهتمام متصفحي مواقع الإنترنت، وهناك أيضا العامل الآخر الذي قام عليه أكبر مواقع الإنترنت حاليا “فيس بوك” وهو ميول ورغبات “الأصدقاء” من حولك.

عملية “الترشيح” هذه والتي يخبرك الآخرون فيها بما ينبغي أن تشاهده وتقرأه أثبتت كذلك أنها عملية جوهرية في تحديد اختيارات الناس، ولو استطاع “فيس بوك” إطلاق خدمة للبحث على شبكة الإنترنت بناء على المعلومات التي يملكها عما “يحب” و”لا يحب” الجمهور فهو سيتفوق سريعا لأن الناس ستجد طريقة سهلة لما ينبغي لها أن تفعله على الإنترنت.

بل إن هناك مواقع وخدمات على الإنترنت صارت تراهن على هذا المبدأ بشكل متطرف، خذ مثلا موقع dscover.me والذي تقوم فكرته على أنك بمجرد التسجيل فيه يصبح كل استخدامك للإنترنت – ماعدا المواقع المؤمنة مثل البنوك والبريد الإلكتروني والمواقع المرفوضة – معروفا لدى أصدقائك، فيعرفون بالضبط المقالات التي قرأتها والمواقع التي تصفحتها، ويبدو أن هذه الخدمة تلقى رواجا جيدا لأن هناك أشخاصا كثيرين يريدون مثل هذه المساعدة ليعرفوا أين يذهبوا على شبكة الإنترنت.

أحد الباحثين يقول بأنه بقدر ما كان الإعلام الرقمي يحتاج لشخصية فاعلة في تحديد ما يفعله مقارنة بالتلفزيون الذي يتطلب شخصية سلبية تشاهد ما يعرض لها على الشاشة، فإن عملية الترشيح هذه تعود بالجمهور لشخصية سلبية تفعل ما يرشحه الآخرون دون أن تقرر ما تريد هي فعلا من هذه الشبكة المتمددة بسرعة على كافة الأصعدة.

دائما أنصح المواقع التي تبحث عن النجاح عن البحث عن “الحوافر” و”الدلالات” التي تأتي بالناس لموقع، ولكن النصيحة الأخرى هي أن تراقب طريقتك في تصفح المواقع، حتى تتأكد أنك تذهب حيث ينبغي أن تذهب، وليس ليضيع وقتك في معرفه ما يرشحه لك الآخرون عبر “فيس بوك” و”تويتر” والإيميل ومسنجر BlackBerry وغيره.

إذا أردت أن تعرف كيف تتحرك الجماهير على الإنترنت، فراقب آثار الأقدام فهي في كل مكان..!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية