“رفيق الرسول” هو عنوان حملة اجتماعية جميلة لمساعدة الأيتام قامت بها مجموعة طالبات من جامعة الملك سعود بإدارة الأخت عالية المحمود، وحققت نجاحا ساحقا على موقع “فيسبوك” rafeq.net، ويدل على ذكاء استراتيجية الحملة، وهي تتضمن فكرة جديدة من نوعها تقوم على اساس إيجاد “برنامج يهدف لتدعيم ونشر أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم بطريقة تدريبية ممتعة وفق منهج تربوي، من خلال رحلة سفر مع أبنائنا الناشئة الى المنطقة الغربية “المدينة، مكة، جدة” والتعرف على المعالم الهامة فيها”.
“طفولة بلا تحرش“؛ هو عنوان حملة أخرى بدأها الزميل حسين بن مسعد، وهي حملة جريئة لموضوع يخشى الناس الاقتراب منه، وما زالت ملفاته بعيدة عن أنظار الإعلام، والحملة قائمة على صفحة “فيسبوك” مع نشاط إعلامي مكثف لدعمها ودعم الفكرة الأساسية منها.
هذه مجرد أمثلة لحملات إلكترونية ذات رسالة اجتماعية هامة، وهناك عشرات الحملات الأخرى، يحملها شباب وشابات يريدون الخير لمجتمعهم ويرون في الإعلام الاجتماعي الإلكتروني وسيلة فعالة لتحقيق الانتشار لرسالتهم بأقل التكاليف المالية.
بدأت هذه الحملات تنتشر في العالم بسرعة هائلة إلى درجة أن هناك عددا من الكتاب المتخصصين يرون أن المجتمع المدني والجهود غير الربحية ستنتقل إلى الفضاء الافتراضي تدريجيا، وهو أمر ينطبق على مجتمعاتنا بشكل أكبر لعدة أسباب.
ما يميز حملة “طفولة بلا تحرش” أن توقيتها جاء مناسبا، حيث أطلقت الصفحة في أسبوع كانت الناس تعمها الصدمة من قصة مغتصب القاصرات في جدة، وكان هناك شعور اجتماعي حقيقي بالأزمة وبالحاجة لما ينبغي فعله.
أما حملة “رفيق الرسول” فهي بالإضافة للمساتها الإبداعية الذكية وتعدد رسائلها الاجتماعية، تتميز بأنها جمعت بين الحملة الإلكترونية وبين برنامج واقعي وعملي على الأرض.
لكن الميزة الحقيقة التي تجمع هذه الحملات والحملات الأخرى الناجحة “تحدث عنها بالتفصيل مايك ستليزنر في كتابه “Launch” أحد أشهر الكتاب في مجال الإعلام الاجتماعي”، هو القدرة على خلق الطاقة الجماعية التي تؤمن بقضية معينة وتتواصل من أجلها وتبذل الجهد لتحقيقها.
بكلمات أخرى، عندما يستطيع مدير الحملة أن يبث الروح التي تنتقل للناس والتي تجعلهم يشعرون بأنهم جزء أساسي من هذه الحملة وليس مجرد متلقين لرسائلها، فهو بذلك يحقق النجاح المطلوب، وهذا أمر ثبت أنه يتم بطريقتين فعالتين:
- الأولى: التواصل المباشر وجها لوجه “مثل خطبة الجمعة”، وهذا ينتقل لأعداد قليلة فقط في مكان جغرافي محدد.
- والثانية: الإعلام الاجتماعي والذي جاء كالسحر ليحقق الأثر نفسه وسط أعداد هائلة من الناس متجاوزا كل الحدود، الجغرافية وغيرها.
هناك أسرار كثيرة يتداولها المهتمين بهذا المجال لتحقيق النجاح في “بث الروح الجماعية”، ومنها أن يكون هناك طلب واضح من الناس أن تساعد، وكيفية المساعدة، وأحد أساليب المساعدة البسطية هو أن تكون “مشجعا” للصفحة على “فيسبوك” بضغط زر “Like” أو أن تتابع الحملة على “تويتر”، لأن الأرقام في عالم الإعلام الاجتماعي تصنع الفرق الأول بين الحملة الناجحة والحملة الفاشلة.
لهذا؛ تجد في حملة “رفيق الرسول” طلبا في أول صفحة للضغط على “لايك” حيث يظهر طفل يقول “اضغط وساعدني لأعيد التوازن إلى حياتي”، كما تجد صفحة خاصة بعنوان “كن سفيرا واترك بصمة” فيها طلبات محددة لدعم الحملة، وهذا من أفضل التطبيقات التي شاهدتها في الحملات الإنسانية السعودية لمبدأ دعوة الناس للمشاركة بأسلوب جذاب وفعال.
بالمقابل هناك مبدأ آخر لا تجده مطبقا بشكل جيد في كثير من الحملات الموجودة حاليا، ربما لمحدودية الإمكانيات، وهو إثراء محتوى الصفحة، لأنك إذا أردت أن تعود الناس يوميا لصفحتك لتشارك فيها وتساهم في دعم رسالتها فلا بد أن يكون هناك محتوى حقيقي ثري يقرأه الناس ويستمتعون به ويستفيدون منه ويجدون قيمة قضاء الوقت في التفاعل معه، لأن الإعلام الاجتماعي هو في النهاية إعلام، أي مادة مقروؤة ومرئية ومسموعة تتضمن معلومات وأفكار وآراء، وإذا كانت هذه المادة لا تزيد عن أخبار عن الحملة وبعض الروابط الصحفية وكلام تشجيعي فإنها مع الزمن ستخبو وتموت لأن الناس لن تتحمس لمثل ذلك إلا لفترة محدودة من الزمن.
بكلمات أخرى تعمم السطور السابقة، إنني أخشى دائما عندما أرى مثل هذه الحملات أن تقتصر على الجهد الإعلامي ولا يكون لها جوهر قوي، وإذا كان الجهد الإعلامي مهم جدا لأنه يساهم في خلق وعي اجتماعي عام برسالة الحملة، فإن الحملة تحتاج للجوهر حتى تستمر لفترة طويلة وحتى يستطيع الجمهور أن يعرفوا كيف سيبذلون جهودهم لدعم الرسالة، لأن الوعي هو مجرد لحظات ثم ينتقل الناس لأمر آخر في حياتهم.
هناك دروس أخرى سأتعرض لها إن شاء الله في مقالات قادمة، وحتى ذلك الوقت أدعوكم لدعم “طفولة بلا تحرش” و”رفيق الرسول”..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية