رئيس وزراء بريطانيا يطالب بحظر الإعلام الاجتماعي.. معقول ؟

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 15 أغسطس 2011|

في لحظة غضب وإحباط، قال رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، بأنه ربما كان علينا أن نحظر وسائل الإعلام الاجتماعي لمنع حصول الاضطرابات في لندن.

كان هذا رد فعل مباشر لـ”كاميرون”، أمام الكاميرات على تصريح لشرطة لندن يعتبر أن السبب الرئيسي والمباشر وراء اضطرابات لندن هو قدرة المشاركين فيها على تنسيق أنشطتهم عبر مسنجر BlackBerry.

هذا التصريح كان مثار رد فعل حاد من الصحافة البريطانية، التي اتخذت كاميرون وشرطة لندن محلا للسخرية الإنجليزية الباردة، ليس فقط لأنه يبدو وكأنه حل بدائي ولا يفهم الأبعاد الضخمة لمنع وسائل الإعلام الاجتماعي أو BlackBerry في عاصمة الضباب، والتي “تتجاوز آثار الاضطرابات” كما قال أحد الكتاب المتخصصين، بل لأنه حل يبدو وكأنه غريب على دستور الحريات الشخصية البريطاني العريق.

الكتاب الساخرون والغاضبون – عبر مئات المقالات – قالوا إن الإعلام الاجتماعي لا يعدو عن كونه وسيلة اتصال، وكأنك تطالب بمنع الموبايل أو الرسائل القصيرة لأنه تم التحريض من خلالها، وأن كاميرون يتجاهل تراكما ضخما من المعرفة عن كيفية التعامل مع الرسائل السلبية على الشبكات الاجتماعية والإنترنت.

من جهة أخرى، ركزت مقالات أخرى على الاستخدامات الإيجابية للإعلام الاجتماعي، بما في ذلك التعاون بين السكان “الصالحين” في فترة أحداث لندن لمساعدة الضحايا والبحث عن المفقودين وغيره، والتي عالجت مشاكل عديدة، ولولا ذلك لكان الضحايا والخسائر أكبر بكثير.

آخرون قالوا بأن تطبيق أي آلية لمعاقبة المشاركين في نشر الاضطرابات على وسائل الإعلام الاجتماعي ستكون شبه مستحيلة لأنه لا يمكن التمييز بسهولة بين “ناقل المعلومة” لأجل نقلها فقط وبين ناقل المعلومة بهدف الدعوة للجريمة.

لكن بغض النظر عن ذلك كله، فإن القدرة الهائلة للإعلام الاجتماعي وللموبايل في تحويل شخص ما، أي شخص مهما كان، إلى وسيلة “إرسال جماهيري”، ليست فقط قادرة على إرسال رسالة من شخص إلى “جماهير” في لحظات، بل إنها أيضا رسالة تفاعلية “أي الناس يمكنهم أن يردوا عليها ويديروا حوارا كاملا حولها”، وأيضا تصل إلى “الجماهير” المحددة بدقة عالية، مما يجعل تأثيرها بلا شك قوي سلبا أو إيجابا.

بكلمات أخرى، التقنية سمحت لأي شخص، بما في ذلك المجرمين، أن يتحولوا لوسائل إعلام مؤثرة خلال دقائق متى ما رغبوا بذلك، صحيح أن رد فعل كاميرون هو رد فعل متسرع وعاطفي، ولكنه في الحقيقة يفتح لأول مرة على الإطلاق بابا واسعا يتساءل بين صانعي القرار في الدول الغربية عن كيفية التعامل مع هذا العنصر الجديد في حياة الناس.

أحداث لندن ستمثل فصلا جديدا في نقاش “الحرية الرقمية” وستضع BlackBerry، و”فيسبوك”، و”تويتر”، وغيرها في مأزق أمام السؤال الأمني هناك، وسينتج عنها تغييرات في سياسات شركات الإعلام الاجتماعي عموما.

أحداث لندن قصة مختلفة لأنها هذه المرة ساهمت في جرائم واسعة النطاق لشباب صغار، وكان التحريض فيها بشكل واضح على السرقة والهجوم على المحلات التجارية بدون أي فكرة لماذا ينبغي أن يتم ذلك “حسب نصوص الرسائل التي أعيد نشرها عبر الصحف”.

حتى الآن؛ فإن أبرز الأفكار المتاحة عن كيفية تعامل “الشرطة” أو الأمن مع وسائل الإعلام الاجتماعي تقوم على فكرة مراقبتها للبحث عن أي معلومات تساعد في القبض على المتهمين، أو تنبيء بتحركات العصابات أو الجرائم في الأحياء، وهذه التجربة طبقتها بنجاح “شرطة نيويورك”، من خلال إدارة خاصة بهذا الشأن، واستطاعت القبض على مجرمين، أحدهم كان يفاخر بجريمة قتل على الإنترنت “على سبيل المثال”.

نفس الإدارة، استخدمت الإعلام الاجتماعي لتحريض الناس على إخبار الشرطة بأي معلومات عن أي جرائم أو معلومات ذات علاقة، ولتفتح بابا من التفاعل الإيجابي المباشر بين الناس وبين أجهزة الشرطة عموما.

هذه التجربة نفسها طبقت في لندن الأسبوع الماضي مع جهود شرطة اسكوتلانديارد للعثور على المشاركين في الاضطرابات من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي “بعد الحصول على أمر من القضاء باعتبارهم مطلوبين للعدالة وبالسماح بالتجسس على رسائل مسنجر BlackBerry ورسائل فيسبوك”، كما أعلنت شرطة لندن عن “PIN Number” تستطيع إضافته على مسنجر BlackBerry لإعلام الشرطة بأي معلومات عن تحركات للعصابات والجموع الغاضبة في الأحياء.

التجربة عموما مازالت جديدة، وإذا كان الكتاب المهتمون بالقضية يقولون بأنها فعالة وتعالج الكثير من الآثار السلبية للإعلام الاجتماعي، فإن جمعيات حقوق الإنسان غاضبة بشكل جماعي وتعتبره انتهاكا للخصوصيات والحرية الشخصية، ولكن هذه الأصوات الغاضبة بدت غير فعالة على الإطلاق في لندن الأسبوع الماضي، بعد أن ارتفع سقف مطالبات الدولة إلى حظر الإعلام الاجتماعي أثناء الأزمات.

لقد عرضت ملخصا للنقاش الذي يدور في الصحف الغربية عن أحداث لندن والإعلام الاجتماعي لأنه يمثل نموذجا وبداية للحوار عن التقنية الجديدة وأثرها في حياة الناس، وهو نقاش دار بشكل مختلف في إطار الثورات في العالم العربي، ولكن ناقوس الخطر دق هذه المرة في الدول الغربية، ومرتبط بشكل مباشر بالجريمة والأمن، وليس بأفكار سياسية وثورية.

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية