المحتوى ملك Content is King، هي عبارة شهيرة تكاد تجدها في كل مقالة في الإعلام الغربي تحلل حال قطاع الإعلام اليوم والتغييرات التي يمر بها.
نحن في زمن فقدت فيه “الوسيلة” سيطرتها وصار يمكن الحصول على المادة الإعلامية والفنية والدرامية عبر وسائل إعلامية عديدة ولم تعد مقتصرة على الصحيفة والمجلة والإذاعة والتلفزيون، بل امتد الأمر ليشمل الـDVD والإنترنت والموبايل والفيديو حسب الطلب وIPod وغيرها من التقنيات التي انتشرت في العالم الغربي وهي في طريقها للانتشار في العالم العربي.
هذا التنوع الكبير في التقنيات التي تقدم المادة الإعلامية والاستثمارات الضخمة التي تم تطويرها أنتج منافسة على الوقود الذي أثبت أنه وحده يصنع النجاح وهو المحتوى، أي المادة الإعلامية، شريطة أن تكون مادة قابلة لاجتذاب الجمهور وأسر انتباهه.
عندما يتم إنتاج محتوى مميز، مثل أحد المسلسلات الغربية الشهيرة أو أحد أفلام ديزني أو أحد المسلسلات الكوميدية المحلية أو رواية، أو عندما يكون هناك عمل إخباري ذي مصداقية وجودة فإن هذا المحتوى الدرامي أو الإخباري سيتواجد في كل وسيلة إعلامية كلاسيكية أو جديدة، وسيضطر أصحاب هذه الوسائل للدفع له، ومن يكون لديه المحتوى الأفضل فسيفوز في المنافسة، ولذا ظهرت هذه العبارة “المحتوى ملك” لأنه سيحسم المنافسة بالتأكيد.
هذا الأمر يمثل تغيرا عن الوضع السابق الذي دام لعقود طويلة من الزمن، حيث كانت الوسيلة هي الأهم، فالقناة التلفزيونية كقناة أو الجريدة كجريدة هي التي تسيطر على الموقف وتملك المشاهد أو القارئ الذي يستهلك ما يقدم له، ولكن الأمر تغير الآن مع كثرة الخيارات والمنافسة الحادة وتوفر المعلومة في كل مكان.
ولعل أهم أنواع المحتوى التي أثبتت نجاحها _ بالترتيب حسب أحد الدراسات الأوروبية _ هي المحتوى الرياضي، والمحتوى الموسيقي، والمحتوى الإخباري، والمحتوى الكوميدي، والمحتوى الدرامي، والمحتوى الموجه للأطفال، والمحتوى الديني، وأخيرا المحتوى النسائي.
إلا أن هذا النجاح ما زال نجاحا أمريكيا أوروبيا، إذ أن دول العالم الأخرى ما زالت متأخرة في هذا المجال، فما زال المحتوى في بلادنا مثلا ينتج لوسيلة معينة، ومن النادر أن تجد المحتوى الذي يزدهر على وسائل عديدة، لأن ذلك يتطلب تحويل هذا المحتوى إلى علامة تجارية يعرفها الناس ولهم توقعات معينة منها كلما سمعوا اسمها.
لقد تحول “طاش ما طاش” إلى علامة تجارية، وكذلك “الفريج” و”مرايا” وغيره كثير، لكن ما حققته هذه العلامات التجارية الإعلامية وكثافة تواجدها ما زال في البداية مقارنة بالواقع الغربي.
أحد التغيرات الهامة في قطاع الإعلام التي ارتبطت بصعود صناعة “المحتوى” والعلامات التجارية الإعلامية Content Brands هي أن المعلن صار يميل أكثر للارتباط بعلامة تجارية كيفما تطورت حول العالم بدلا من الارتباط بوسيلة معينة، وهذا الاتجاه بدأ ينمو بسرعة في كل مكان، بحيث تصبح منتجات المعلن مستخدمة في المسلسل مثلا، ويحرص المعلن على رعاية تلك المسلسلات دائما والارتباط بها على كل وسيلة إعلامية.
التغير الآخر مرتبط بالتكنولوجيا والتي أصبحت تسمح بمعرفة أرقام دقيقة عن إقبال الجمهور على محتوى معين، فمواقع الإنترنت وخدمات الموبايل وغيرها تقدم لك أرقاما مفصلة عن استخدام الجمهور لكل مادة، مما يعطي الفرصة للمحتوى الناجح _ حتى لو أنتجه مجموعة من الهواة _ ليسيطر والمحتوى الفاشل _ ولو كان من إنتاج شركة كبرى _ أن يسقط.
هذا يعني أن البقاء للمحتوى الناجح وليس للشركات الناجحة وهذا يضع تحديا على قطاع اقتصادي _ الإعلام _ والذي عرف بشركاته العملاقة والمسيطرة دائما.
المحتوى الناجح يحتاج للإبداع، يحتاج للكاتب المميز والمنتج العبقري والممثل العظيم، وبدونهم لا يساوي المحتوى شيئا، والمبدعون هم أقل من يلقى التقدير المادي في العالم النامي، إلا أن هذا سيتغير ليسيطر المبدع، لأن الوصول للجمهور مباشرة صار سهلا من خلال وسائل التقنية الحديثة ولم يعد يحتاج للشركات الكبرى، وعندما يزداد الجمهور فسيزداد العائد المادي وتزداد قوة وانتشار العمل المبدع.
هذه أخبار جيدة للجمهور ولمنتج المحتوى ولكل من يفهم قواعد اللعبة الجديدة!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية