بعد فشل ذريع سيطر خلال التسعينات وحتى الآن على كل محاولات إطلاق أجهزة “الكتاب الإلكتروني” E-Book، وهي عبارة عن أجهزة لها شاشة خاصة يمكن من خلالها تصفح الكتب المخزنة في تلك الأجهزة، يبدو أن عام 2009 سيشهد تحولا إيجابيا جذريا في مسيرة الكتاب الإلكتروني.
هذه المسيرة بدأت على كل حال في عام 2008، حيث نشأ تنافس حاد بين موقع Amazon والذي أطلق قارئا إلكترونيا باسم “كيندل” Kindle، والذي حقق مبيعات ضخمة تجاوزت كل توقعات Amazon – وخاصة بعد أن أسهبت أوبرا وينفري في مدحه خلال برنامجها التلفزيوني الشهير _ إلى حد أنه الآن غير متوفر في الأسواق أو على الموقع، مما سبب خسارة كبيرة لـAmazon كون شهر ديسمبر هو أهم الشهور للتسوق لدى الأمريكيين والأوروبيين، بسبب موسم هدايا رأس السنة ولأنه شهر المكافآت الوظيفية السنوية.
النسخ الجديدة من Kindle قد لا تتوفر حتى شهر مارس، وحتى ذلك الحين ظهر المنافس الآخر لـAmazon وهو Sony التي تمتلك قارئا مميزا من نوعه، وقد كثفت Sony حملاتها الإعلانية في أمريكا وأوروبا خلال الشهر الماضي لاستغلال غياب Amazon عن الساحة وتحقيق أعلى عدد من المبيعات.
ما الجديد الذي حصل حتى يظهر الكتاب الإلكتروني فجأة؟
هناك عدة عوامل ساهمت في نهوض الكتاب الإلكتروني، أولها تطور أجهزة القراءة الإلكترونية بحيث أنها تفادت كل العيوب السابقة وصارت أسهل وأسرع وأوضح للقراءة، وهذا ما هو واضح في جهاز Amazon، ولكن الثورة الحقيقية جاءت مع إضافة Amazon لصفة الإرسال المتنقل للكتب، فأنت عندما تشتري كتابا معينا لجهاز Kindle يتم إرساله إلى جهازك كما ترسل رسالة الجوال، كما أنك لو اشتركت في صحيفة معينة، فهي ترسل إلى جهازك كل صباح دون الحاجة لاستدعائها أو توصيل الجهاز بالكمبيوتر كما تتطلب أجهزة القارئات الأخرى بما فيها Sony.
هذه السهولة الرهيبة في شراء الكتب واستقبالها عبر الجهاز، وتمكن هذه الأجهزة من حفظ آلاف الصفحات المتاحة للقراءة على الجهاز، ساهم فجأة في انطلاقة ثورة الكتاب الإلكتروني.
ولو فكرت مليا في الأمر، لاكتشفت بعض التغييرات الجذرية التي يحدثها مثل هذا الاختراع حول العالم، ففضلا عن تأثير الجهاز السلبي الحاد على الكتاب المطبوع وعالم المكتبات والنشر، فإن انتشاره يعني أن المؤلف يمكنه أن يعد نسخة جاهزة من كتاب على كمبيوتره، ثم يعلن عنه على مواقع بيع الكتب الإلكترونية، ويأتي الناس ليتصفحون ويبحثون في قوائم طويلة من الكتب، وإذا اختار أحد شراء الكتاب من الموقع، فإن الكتاب سيذهب لجهازه القارئ.
هذا الأسلوب سيقلل من التكاليف بشكل غير عادي حيث لا يوجد تكاليف طباعة أو توزيع وسيسرع عملية نشر الكتب، بحيث يكتب المؤلف كتابه اليوم وينشره غدا، ويساهم في انتشار الكتاب المتخصص الذي يذهب لفئة محدودة من الناس بعد أن صعب ذلك عبر العهود الماضية بسبب تكاليف الطباعة التي تتطلب طباعة آلاف النسخ حتى تسدد تلك التكاليف.
البعض قد يقول بأن الكتاب الإلكتروني لن ينجح لأن الناس يحبون القراءة من الورق، والحقيقة أن الدراسات والتجربة أثبتت غير ذلك، حيث يتطلب تغيير عادات القراءة من الورق إلى الشاشة وقتا ليس بالقصير من الذين تجاوزوا الخامسة والعشرين، ولكنه سهل جدا لمن هم أصغر من ذلك، مما يعني تحول المجتمع التدريجي للارتياح للقراءة من الشاشة بدلا من الكتاب والصفحة الورقية.
بالنسبة للعالم العربي، فإن مجهودات جمع وبيع النسخ الإلكترونية من الكتب ما زالت محدودة جدا ببعض المواقع، والأجهزة الجديدة ليست جاهزة بعد فيما يتعلق بالكتب العربية، ولكن علاج هذه المشكلات أمر في غاية السهولة لو وجدت الشركة الجادة في التعامل مع الموضوع والاستفادة منه ربحيا، وخاصة إذا أدركت الشركات أن هذا هو مستقبل النشر في العالم بما في ذلك في العالم العربي، ولو أدرك المؤلفون أن كتبهم تسرق وتوزع على الإنترنت بينما هي في هذا الوضع محمية بأنظمة الحماية الإلكترونية الموجودة على تلك الأجهزة.
المستقبل للتكنولوجيا!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية