التلفزيون له أثره الساحر في حياة الناس، ومن الطبيعي جدا عندما يجلس شخص بحس إعلامي ويشاهد مختلف البرامج الموجودة على شاشات التلفزيون أن تخطر بباله فكرة برنامج يراها جذابة ومميزة وتخدم شيئا من اهتمامات الناس أو تمنحهم المرح والترفيه أو على الأقل تجذب انتباههم.
هذه الأفكار تتحول لدى عدد غير قليل من الناس إلى مشاريع جادة ويبدؤون بالسعي للتواصل مع القنوات التلفزيونية وشركات الإنتاج لتحويل هذه المشاريع إلى برامج ترى النور أو يراها الجمهور.
البعض قد يستهدف تحقيق الربح أو آخرون يستخدمون هذه الأفكار لبدء مشوار التقديم التلفزيوني، وآخرون يفعلون ذلك من منطلق الحماس لأفكارهم، ولكن أيا كان الهدف، فإن استقبال أفكار البرامج التلفزيونية من مختلف الناس والتعامل معها هو واقع يومي في حياة كل محطة تلفزيونية عربية.
ولكن الأمر ليس كذلك لدى المؤسسات التلفزيونية في مختلف دول العالم الأخرى، وذلك لأن أفكار برامج التلفزيون قد تحولت إلى قطاع اقتصادي ضخم يصل دخله إلى عدة مليارات دولار سنويا تدفعها المحطات التلفزيونية التي تبحث عن الأفكار، كما تدفعها الجهات التي تريد الاستفادة من نجاح البرامج التلفزيونية في منتجات وخدمات مرادفة مثل خدمات الموبايل والإنترنت والمنتجات وغيره.
خذ على سبيل المثال، برنامج “من سيربح المليون” والذي يعتبر أنجح فكرة تلفزيونية على الإطلاق.
بدأت فكرة برنامج من سيربح المليون في محاضن شركة بريطانية لإنتاج الأفكار التلفزيونية اسمها “سيلادور” Celador، والتي قامت بوضع الخطة الكاملة للبرامج والتي تتناول كل تفاصيل البرامج وعوامل نجاحه بما في ذلك العبارة الشهيرة “هل هذا هو جوابك النهائي؟”، وقامت بترخيص الفكرة لأول عرض للبرنامج في بريطانيا في عام 1998، ولما حقق نجاحه الواسع هناك، تم إطلاق نسخ من البرنامج في كل أنحاء العالم بدءا من أمريكا ثم أستراليا والهند وفرنسا واليابان وبلغاريا وإيطاليا وهولندا وبولندا وروسيا وفنزويلا والعالم العربي وغيرها كثير، كما تم إطلاق نسخ أخرى من البرنامج بتعديل بسيط في الآليات أو قيمة الجائزة لتصل إلى حوالي 100 إنتاج للبرنامج حول العالم وهو ما لم تحققه أي فكرة برنامج تلفزيوني بما في ذلك برنامج الواقع الشهير “الأخ الأكبر” Big Brother.
في هذه الحالة تحصل الشركة صاحبة الفكرة على مبلغ ضخم ثمنا للسماح بإنتاج الفكرة التلفزيونية، والذي تتولاه المحطة التلفزيونية أو الشركة المنتجة، كما قد تحصل على نسبة من الإعلانات، وعلى نسبة من الدخل المرتبط بأي منتجات لها علاقة بالبرنامج مثل اللعبة التي أنتجت على هامش البرنامج ولعبة الموبايل والمنتجات الكثيرة التي تحمل شعار البرنامج أو صور المذيعين فيه أو غير ذلك.
شركة “سيلادور” Celador، حققت نجاحا هائلا بسبب هذا البرنامج وبرامج أخرى، واستثمرت هذا النجاح في بيع الشركة إلى شركة هولندية مهتمة أيضا بأفكار البرامج اسمها “تو واي ترافيك” Two Way Traffic، ثم قامت شركة Sony اليابانية الشهيرة بشراء الشركة الهولندية بمبلغ 137 مليون جنيه استرليني.
هذا المثال يوضح كيف تحولت أفكار البرامج التلفزيونية إلى صناعة ضخمة تتميز بالإبداع والتنافس ولها قواعد نجاحها التي سأتحدث عنها في مقالي القادم.
بالنسبة للعالم العربي فهناك عدد من المحاولات لإنشاء شركات مماثلة، ولكنها محاولات محدودة النجاح، وذلك لأنها تفتقد للبعد العالمي والذي يساعد شركات الأفكار التلفزيونية الكبرى على تحقيق أرباح ضخمة من خلال تكرير نفس البرنامج في عدد من دول العالم. هذه الأرباح الضخمة هي التي تساعد الشركات على استقطاب المبدعين في تأسيس البرامج التلفزيونية وعلى اختبارها وكذلك تسويقها، بينما بقيت المؤسسات العربية مجرد واجهات لجهد فردي بحت يقع في نفس الأخطاء التي يقع فيها الأفراد عندما يفكرون في فكرة برنامج تلفزيوني.
وللحديث بقية..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية