الإعلام البديل قد لا يحمل أخبارا جيدة!

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 03 سبتمبر 2007|

هناك أصوات تتكاثر يوما بعد يوم وتراها هنا وهناك على مختلف المواقع على الإنترنت تعلن تباشير وصول ما يسمى بـ”الإعلام البديل”، وهم يقصدون بذلك _ كما هو معلوم _ المدونات “البلوجز” والمنتديات ومواقع الشبكات الاجتماعية “مثل فيسبوك”، والتي تكفل للفرد أن يكتب الأخبار التي سمع بها وينقلها للجمهور، بحيث أصبح الشخص العادي وسيلة إعلام مستقلة تنافس وسائل الإعلام الكلاسيكية المعروفة.

هذا ليس مجرد خيال؛ ففي مصر مثلا تحولت المدونات إلى منافس للصحف المصرية في نقل الأخبار عما يحدث في الشارع المصري، كما قام أحد الأشخاص المسجلين في أحد المنتديات الشهيرة بزيارة صحفية إلى جزر المالديف وسجل مشاهداته وأجرى حوارات عديدة مع المسؤولين، كاد أن يكون منهم رئيس الجمهورية، وذلك باسم المنتدى الذي يمثله.

ولعله من الملاحظ طبعا أن الحديث في هذه الأوساط عن الإعلام البديل هو حديث إيجابي جدا، لأنه في نظر هؤلاء القراء سيعالج مشكلات الإعلام الكلاسيكي وسيقدم لهم المعلومة الصحيحة الجريئة التي افتقدوها عبر عقود طويلة من استهلاك الإعلام الكلاسيكي “الصحف والمجلات وقنوات التلفزيون”.

هذا الإحساس بالمناسبة ليس خاصا بالعالم العربي، فحتى في أمريكا، حيث ظهر هذا المصطلح، يصر القائمون على هذه المواقع بأنهم يقدمون المعلومة دون أن تتعرض لفلترة حارس البوابة في المؤسسات الإعلامية الكبرى والتي يوجد لديها مبادئ وتقاليد معينة لا تعجب سدنة الإعلام البديل.

هذا الاستبشار بالإعلام البديل يمثل جرس إنذار لوسائل الإعلام الكلاسيكية التي يزداد الشعور بين الناس بالإحباط منها والشك في مصداقيتها والانزعاج من أسوارها العالية حيث لا يستطيع الأكثرية المشاركة في صياغة الرسالة الإعلامية، وهي مشكلات تعاني منها المؤسسة الإعلامية بلا شك.

لكن الإعلام البديل ليس هو الحل لأن الإعلام البديل يعاني من مجموعة من المشكلات الأخرى تجعله أكثر خطرا على المنظومة الثقافية للأمة، وخاصة لمن هم مثلنا حيث يعاني الشارع العربي من مشكلات كثيرة في التفكير تجعل آرائه عادة أقرب إلى السطحية والتعميم ومرتبطة أكثر بالشائعات والشعارات الأيديولوجية التي تلاقي هواه حتى لو لم يقف المنطق إلى جانبها ولم يؤيدها التاريخ والعلم.

إذا أردت أن تتأمل فيما أقول فخذ جولة سريعة على أبرز المدونات العربية وستلمس الظواهر السلبية الخطيرة التالية:

  • سيطرة الرأي الشخصي على سير الموضوع ومحتوياته ومعلوماته، فالكاتب يكتب وكأنه في مجلس خاص يلون الكلمات كما يريد ويندفع بعاطفته ليهاجم هذا ويقاتل ذاك بناء على معلومة أو إيحاء ما.
  • اعتماد المدونات على “سمعت” و”قيل لي” و”جاءني اتصال من صديق”، فضلا أنك في أكثر الأحيان لا تجد مصدرا محددا.
  • الشعور السلبي الحاد ضد كل شيء سواء على المستوى الرسمي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، وهذا طبيعي لأن كثيرا من كتاب المدونات يكون لديهم دافع سلبي يعطيهم الطاقة للعمل اليومي في مدونة يومية لا يكسب منها أي أجر مادي.
  • الجهل العام بمجريات الأمور، وطبعا لا لوم على كاتب المدونة فهو شخص واحد لا يمكنه أن يلم بكل شيء، فضلا على أن الثقافة الواسعة ليست سمة لكتاب المدونات العربية حتى الآن.

هذه الظواهر طبيعية لمدونة تمثل المذكرات اليومية لكاتب شاب أو صغير السن.

ما ليس طبيعيا هو أن يشعر الناس بأنهم يمكنهم الاعتماد على هذه المدونات كبديل لوسائل الإعلام في الحصول على المعلومة وفهم ما يحصل من حولهم.

إنني لا أبرأ المؤسسة الإعلامية _ وأنا جزء منها _ من الأخطاء الفادحة عبر العقود، والإعلاميون يحتاجون لوقفة صادقة وجهود جبارة لتصحيح أخطائهم وزيادة مصداقيتهم وتطوير ارتباطهم بالشارع العام وفتح أبوابهم للآراء الأخرى.

ولكن في نفس الوقت أتمنى من المهتمين بـ”الإعلام البديل” ومن الاتحادات التي بدأت تنشأ للمدونات والمدونين أن يبذلوا جهودا مماثلة بحيث يتحمل كاتب المدونة المسؤولية ويكون لديه خطوطا واضحة يلتزم بها حول الموضوعية في الطرح، وحول التحقق من مصادر المعلومات، وحول استخدام اللغة المحايدة. كثير من المدونين هم شباب يحملون هموم أمتهم ويتمنون بصدق المشاركة في تطويرها وانتشالها من الوحل، ولكنهم يجهلون هذه القواعد ويجهلون أهميتها في بناء ثقافتنا على المعلومة بدلا من بناءها على الرأي والشائعة.

ومن يدري فقد يتحولون حينها إلى “إعلام بديل” فعلا !

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية