في الأعوام الأخيرة بدأ الاهتمام في العالم العربي يتجه للمدونات “البلوجز” على شبكة الإنترنت، والمدونات هي عبارة عن صفحات شخصية يقوم صاحبها بتحديثها يوميا بالأخبار أو الآراء أو بمذكراته الشخصية حول أي أمر يريد الكتابة عنه.
هي بشكل آخر وسيلة إعلامية يحررها شخص واحد، أو مجموعة صغيرة من الناس أحيانا، سواء كانت متخصصة في قضية معينة أو تمثل رصد هذا الشخص للأحداث من حوله.
أبرز المدونات في العالم العربي ارتبطت بحركات المجتمع المدني والشباب الذين نشأوا في بعض المجتمعات العربية وهم يريدون التعبير عن آراء لا تحتملها الأسوار الإعلامية العالية والخطوط الحمراء، ومثلت حادثة الحكم على أحد المدونين بالسجن في مصر ذروة المواجهة بين المدونين وبين النظم الرسمية.
إلا أن المدونات في النهاية هي عمل تجاري بحت، لأن هناك تكلفة مالية في تشغيل هذه المواقع وصيانتها واستضافتها، وإذا كان البعض ينفق على هذه المدونات من جيبه لإيمانه بالرسالة التي تحملها أو لأنه جزء من هواياته، فإن الشركات العملاقة تتعامل مع المدونات على أنها عمل تجاري يفترض أن يحقق ربحا في يوم من الأيام.
من أين يمكن للمدونات أن تحقق أرباحها المالية وهي مجرد مذكرات شخصية أو أخبار من رصد شخص ما؟
هناك أساليب عديدة تبدأ بالأسلوب المعتاد وهو الإعلان.
لأن الإعلان يبحث عن عدد كبير من الجمهور ولأن المدونات لا تجتذب عادة مثل هذا العدد الضخم من الجماهير “هناك طبعا مئات المدونات الشهيرة التي يزيد عدد زوارها عن المائة ألف زائر يوميا”، فقد كان الحل هو وضع المدونات في موقع واحد بحيث يتم وضع الإعلان نفسه على مجموعة كبيرة من المدونات في نفس الوقت، وإذا كان الإعلان يشاهد في موقع شخصي لفتاة تتحدث عن خلافاتها مع والديها وصديقاتها قد لا يجلب إلا 20 زائرا يوميا، فإن ألف مدونة شخصية تحت عنوان واحد يعني وجود 20 زائر يوميا على الأقل “هناك أكثر من 80 مليون مدونة حول العالم حسب آخر الإحصائيات”.
ولكن هناك ثلاث مشكلات تواجه الإعلان من خلال المدونات، مشكلة عدم القدرة على تحديد نوعيات جمهور المدونات مع تنوعهم، الأمر الذي يربك المعلن، ومشكلة أن محتوى المدونات متفاوت وأحيانا يكون مسيء للقيم العامة مما يشعر المعلن بالخطر أن يرتبط اسمه بمدونات لا يعرف بالضبط اتجاهها ومحتواها ويخاف على اسم الشركة The Brand من الارتباط بهذا المحتوى، والمشكلة الثالثة أن الإعلان على المدونات يبدو أمرا معقدا للمعلنين لأنك تحتاج برامج لمتابعة نتائج الإعلان وفعاليته، وهو الأمر الذي يجعل الإعلان على الإنترنت ضعيفا حتى الآن رغم وجود الملايين من الناس الذين يزورون الشبكة العنكبوتية يوميا.
من هنا جاء الأسلوب الثاني لتمويل المدونات وهو ما أسميه بـ”المدونات المستترة” وهذه المدونات صممت بحيث تبدو وكأنها مدونات شخصية “بريئة” ولكنها في الحقيقة ممولة تجاريا من قبل شركة ما.
التمويل التجاري الجيد يضمن للمدونة حملة تسويق وحملة علاقات عامة قوية بينما يضمن للشركة تمرير رسائلها الإعلانية والتجارية إلى الجمهور المستهلك للمدونة.
هذا الأسلوب الذي بدأت كبرى الشركات استخدامه في الغرب “بالإضافة للأحزاب السياسية والمؤسسات غير الربحية وحتى المؤسسات الحكومية” صار في الحقيقة الممول الأقوى لمعظم المدونات الموجودة في الغرب، وأظن أن هذا الأسلوب سينتقل سريعا للعالم العربي، وخاصة أن معظم قوانين العالم العربي تمنع الإعلان السلبي “الذي يهاجم الشركة المنافسة”، مما يجعل المدونات المستترة حلا مثاليا لشن الحملات على الخصوم والمنافسين وتدمير سمعتهم.
أضف إلى ذلك، أننا في العالم العربي “نستحي” من الإعلانات التي تهدف لتلميع الأشخاص بشكل مباشر، مما يجعل المدونات خير أسلوب لإبراز الأشخاص وصناعة اسمهم، وهذا يجعل المدونات المستترة الملجأ الأول لتحقيق هذه الأهداف.
المشكلة في تمويل المدونات عبر الحملات المستترة أنها استراتيجيا تدمر مفهوم المدونات نفسه، فالمدونات اكتسبت شعبيتها على أساس أنها تعبير صادق لأشخاص عن أنفسهم خارج التأثير التجاري او السياسي، وعندما يسمح ملاك الموقع باستخدام المدونات المستترة فإنهم بذلك يدمرون مصداقية المدونات ويقللون الإقبال عليها.
لكن هذه المشكلة هي فقط على المدى الطويل، فالمنتديات العربية بأنواعها استخدمت بشكل واسع للحملات المستترة وحقق البعض أموالا طائلة من وراءها، ولم نسمع بأحد توقف عن زيارة المنتديات لهذا السبب.
في الأسبوع القادم سأتحدث عن أسلوب تجاري مختلف تماما وفي منتهى الذكاء لتمويل المدونات الشخصية والذي يبدو أنه حقق الأرباح الأعلى عالميا حتى الآن.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية