هناك مصطلح جديد نسبيا في عالم الإنترنت اسمه “الشبكة الثانية” Web 2.0، والذي يرمز للمفاهيم الجديدة للإنترنت التي تركز على التفاعلية، بدلا من التركيز على نشر المعلومات في “الشبكة الأولى”.
وصفة نجاح الشبكة الأولى كانت أن تنشر المعلومات وتقدم الخدمات على الإنترنت التي يحتاجها الناس فيزورونك بكثافة، ويشاهدون خلال ذلك الإعلانات أو يدفعون اشتراكا للاستفادة من الخدمات.
وصفة نجاح الشبكة الثانية مختلفة تماما، فهي تقوم على إيجاد الإطار الذي يمكن للناس المشاركة والتفاعل والكتابة من خلاله، وتمثل المنتديات بداية الشبكة الثانية، ولكن الأمر تطور بعد ذلك ليصل إلى المدونات ثم إلى “الشبكات الاجتماعية”.
في الأسبوع الماضي، تناولت الأفكار التجارية التي تعتمد عليها مواقع المدونات لتحقيق الأرباح المالية، وقلت أن هناك أسلوب جديد لتحقيق الربح على مواقع الإنترنت، وهذا الأسلوب هو “الشبكات الاجتماعية”.
من أمثلة مواقع الشبكات الاجتماعية موقع MySpace وموقع “فيسبوك”، وفي هذه المواقع يقوم الشخص بتأسيس “بروفايل” لنفسه يتضمن معلومات شخصية عنه، والأفلام والكتب والمواقع التي يفضلها، وغير ذلك من المعلومات، ثم يحدد أصدقائه الذين يدعوهم لفتح صفحات شخصية، ويقوم بربط تلك الصفحات بصفحته، وكل صديق يقوم بصناعة شبكته الاجتماعية، مما يعني في النهاية أن تكون لك شبكة اجتماعية واسعة تضم مئات أو آلاف الأشخاص من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وأصدقاء أصدقاء الأصدقاء وهكذا.
بعد ذلك تبدأ في التواصل مع شبكتك الاجتماعية، فتشاركهم الصور التي لديك، وتتحدث معهم، وتستفيد منهم في اختيار كتاب أو ملف صوتي أو فيلم وهكذا.
نمت هذه المواقع نموا بطيئا إلى أن بدأ موقع MySpace يسيطر على الساحة عندما أصبح أكثر عشر مواقع زيارة في العالم، ليأتي امبراطور الإعلام روبرت مردوخ، ليشتري الموقع بـ65 مليون دولار، وحينها بدأت الأضواء تتسلط على مواقع الشبكات الاجتماعية، والتي تنامت بشكل سريع جدا، ولكل منها وصفته الخاصة والجمهور الذي يركز عليه والميزات الخاصة به، لا يوجد حتى الآن أي موقع عربي يتضمن شبكات اجتماعية باستثناء مواقع عرض الصور الشخصية.
كيف تصنع هذه المواقع أرباحها؟
بالإضافة للإعلانات، فإن هناك أسلوبا آخر مثل حلا سحريا للشركات التي بدأت تقتنع أنها بحاجة لما هو أكثر من الإعلان التقليدي الذي يتم استهلاكه مع إعلانات كل الشركات المنافسة دون أن يلمس المستهلك أي فرق بينها.
بالنسبة للمعلنين؛ فهم يعرفون أن أقوى أساليب الإعلان هو الاتصال الشخصي، فأنت قد تسمع ألف إعلان عن جوالات جديدة، ولكن صديقك بمجرد أن يخبرك بأن هذا الجوال هو الأفضل وأحسن المحلات لشراءه هو هذا المحل، فإنك سرعان ما تشتري الجوال حتى لو لم تشاهد عنه أي إعلانات.
مواقع الشبكات الاجتماعية قد تحل هذه المعضلة أمام المعلنين، حين تقوم بتوظيف أولئك الأشخاص “النشطين” الذين يوجد لديهم آلاف الأشخاص ضمن شبكتهم الاجتماعية، فيقوموا بإقناع أصدقائهم بشكل غير مباشر بالسلعة أو الخدمة الجديدة التي يراد الإعلان عنها.
المواقع من جهتها ستقوم بالتعاقد مع الشركات للاستفادة من أكثر الناس نشاطا ضمن مواقعهم وبأولئك الذين يملكون شبكات اجتماعية واسعة لترويج الخدمات ضمن أصدقائهم.
أحد الباحثين اقترح أن تكون الإعلانات واضحة ومباشرة على يد هؤلاء الأشخاص بحيث تبنى علاقة شراكة بين المعلن والمستخدم يظهر خلالها المستخدم معلنا ويقول لأصدقائه أن لديه عقدا مع الشركة الفلانية لإخبارهم عن المنتج حتى لا يشعر المستخدم بأنه يغش ويستغل أصدقائه، ولأن الأثر يبقى نفسه تقريبا.
لكن هذا الحل السحري لواحدة من أكثر مشكلات الإعلان تجذرا من خلال زيادة الثقة بالرسالة الإعلانية والاستفادة من الشبكات الاجتماعية يحتاج للكثير من الوقت حتى يصبح أسلوبا إعلانيا جذابا للميزانيات الكبيرة، لأن الشركات الإعلانية تحتاج الكثير من الوقت حتى تحدد طريقة التسعير المناسبة لهذه الإعلانات، وكيف تستفيد منها في توجيه الرسالة الإعلانية، وكيف تعرف أن الرسالة وصلت للجمهور المستهدف فعلا، وكيف تراقب تحقيق الشخص المتعاقد معه في كونه حقق المطلوب منه فعلا.
رغم كل هذه الأسئلة فهناك قناعة واسعة بأن أسلوب “الشبكات الاجتماعية” سيكون له مكان خاص في عالم الإعلان في المستقبل ولهذا السبب بدأ ضخ الميزانيات الضخمة في مواقع الشبكات الاجتماعية.
العالم العربي له مستقبل كبير في هذا المجال، لأننا كأفراد نملك شبكات اجتماعية واسعة جدا تصل إلى عشرات أو مئات الآلاف إذا حسبت الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء ومن يعرفون وحسبت الأقارب وأقارب الأقارب.
من بعد اليوم لن تصبح العلاقات الاجتماعية تضييعا للوقت!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية