أفلام البلوتوث و«اليوتيوب»: مقدمة لتغير عالمي

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 28 مايو 2007|

الإقبال الشديد التي تلقاه مقاطع البلوتوث القصيرة واهتمام الناس بها وتداولهم لها بشكل واسع ليس خاصا بفئات من الناس دون أخرى، وليس خاصا بتكنولوجيا البلوتوث وحدها، بل هي ظاهرة عالمية أخذت آفاقا أوسع بكثير في الغرب مما عليه الآن في العالم العربي.

يعتقد الكثير من خبراء الإعلام والباحثين في مجال “الإعلام الجديد” أن هذا النوع من المحتوى قد يسيطر في المستقبل على المحتوى التلفزيوني بشكل عام، أو على الأقل سيكون جزءا أساسيا من الجدول اليومي لمحطات التلفزيون.

المقصود هنا هو ما يسمى بـ”المحتوى الصادر عن الجمهور” User-Generated Content، والذي يرمز له بـUGC، وهو محتوى يعده شخص غير محترف، أي شخص لم يعط حياته للإنتاج التلفزيوني، ولكنه يملك كاميرا فيديو أو كاميرا رقمية عادية أو حتى يستخدم كاميرا جواله، ويقوم بصناعة مقطع من عدة دقائق ويتيحه للعرض العام بين الناس.

في البداية كان الحديث عن استخدام هذا النوع من المحتوى في تصوير الأحداث التي لا يصل إليها المصورون بسرعة، وجاءت انفجارات لندن في 7 يوليو عام 2005 كأشهر حدث أثبت هذه الفكرة حين اعتمدت الـBBC وغيرها من القنوات التلفزيونية على مقاطع التقطتها كاميرات الجوال في نقل الحدث للجمهور العام، وصارت وسائل الإعلام الإخبارية تتحدث بشكل واسع عن كيفية تحفيز الجمهور لإرسال هذا النوع من الأفلام للقنوات الإخبارية وكيفية الاستفادة منها بشكل مميز، وإن كان السؤال دائما عن قضايا المصداقية في هذه الأفلام، فالمسؤول في القناة الإخبارية لا يعرف ما إذا كانت هذه الأفلام صحيحة أو مزورة، والتأكد من مصداقيتها يبقى أمرا صعبا، بينما الدراسات على الجمهور أثبتت أن الجمهور لا يغفر للمحطة الإخبارية أن تخبرهم بأن هذا الفيلم وصل من شخص لا تعرف هويته عندما يظهر لاحقا أن الفيلم مزور.

لكن عالم الفيديوهات الشخصية كان يمضي بسرعة في منافسة حادة بين موقع “يوتيوب” وموقع Google وموقع Yahoo وغيرها، ولم تكن هذه المنافسة قد لفتت الانتباه بعد إلى أن أعلنت Google في صيف السنة اللاحقة 2006، شراءها لموقع “يوتيوب” بمبلغ 1,65 مليار دولار، وهو الأمر الذي جعل كل خبراء الإعلام الكلاسيكيين يقفزون فجأة باحثين عن السبب الذي جعل Google تستثمر هذا المبلغ الكبير في موقع متخصص في نشر مقاطع الفيديو التي يرسلها الجمهور.

لأسباب عديدة يرى خبراء الإعلام الجديد أن هذا النوع من المحتوى سيكون له دور كبير في حياة الناس في المستقبل، فتوفر الكاميرات في أيدي الناس ووجود شبكة الإنترنت سيعطي الفرصة لأشخاص عاديين تأسيس ما يشبه المحطات التلفزيونية بتكاليف بسيطة، وخاصة أن الإنترنت أصبح الآن سريعا جدا في الدول الغربية ومربوطا بأجهزة التلفزيون عند الطلب في معظم هذه الدول.

هذا النوع من المحتوى متوافق مع التغير في عادات الناس _ وخاصة الأجيال الناشئة _ التي صارت تبحث عن المحتوى السريع، وصارت _ باستثناء المباريات والأفلام _ تمل من الجلوس أمام برنامج لما يزيد عن عشر دقائق، كما أن هذا المحتوى مناسب للجوال والتلفزيون والإنترنت وأجهزة I-Pod وغيرها، مما جعل المحطات التلفزيونية الكبرى في العالم تؤسس وحدات كاملة لاستخلاص مقاطع مناسبة للنشر من برامجها وتقوم بنشرها على مواقع مثل “يوتيوب” أو على مواقعها على الإنترنت أو على الجوال.

بل إن نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور، أسس في عام 2005 محطة تلفزيونية اسمها Current TV، والتي تقوم فقط على هذا النوع من المحتوى، واستطاعت أفلام هذه المحطة أن تفوز بجوائر عالمية خلال فترة قصيرة.

هناك ثورة عالمية قادمة لمثل هذا المحتوى، المحتوى القصير الذي ينتجه الناس، ويتم نشره عبر مختلف وسائل التكنولوجيا.

هناك تساؤلات كثيرة حول مصداقية هذا المحتوى ولماذا يجذب الجمهور وكيف سيختار الجمهور المحتوى الذي يفضله بين ملايين الفيديوهات، وسأسعى للإجابة على هذه الأسئلة في مقالات قادمة، ولكن المؤكد أنه يمثل فرصة استثمارية للإعلام لم يستفد منها في العالم العربي بعد، بينما هي في الغرب صارت حديث كل شارع في القطاع الإعلامي وقطاع الإنترنت والجوال.

في هذا الشهر، ستبدأ قناة العربية، بث أول برنامج يقوم بالكامل على هذا النوع من الفيديوهات، وذلك مستندا على فيديوهات نشرت ضمن منتدى الفيديو على موقع “العربية.نت”، وهو الأول من نوعه عربيا، ولكن المشوار ما زال طويلا أمام الاستفادة الحقيقية عربيا من مثل هذا النوع من المحتوى، وخاصة أن إعلامنا التلفزيوني الإخباري والترفيهي بقي في كثير من الأحيان مهتما بما يحدث في الاستديوهات وغرف الاجتماعات الرسمية وبعيدا عما يحصل في الشارع وبيوت الناس، مما يترك فرصة كبيرة لنجاح مثل هذا النوع من المحتوى الذي يعكس حياتنا اليومية الحقيقية.

غرام الشباب بأفلام البلوتوث ومقاطع الفيديو عبر الإيميل ما زال مجرد هواية لم يستفد منها أحد تجاريا كما ينبغي.

في الأسبوع القادم، سأتناول كيف يرى خبراء الإعلام مثل هذه الفيديوهات مصدر مغر للمال في المستقبل بحيث جعل Google تستثمر هذا المبلغ الضخم في شراء “يوتيوب”.

تلفزيونات المستقبل “منكم وإليكم”!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية