كيف يصبح مؤلفو الكتب أثرياء؟

من قسم شؤون إعلامية
الثلاثاء 05 ديسمبر 2006|

عندما تدخل مكتبة عربية وتبحث بين العناوين وتقارنها بالتجربة نفسها عندما تقوم بها في مكتبة للكتب الإنجليزية، تظهر عدة فروق لصالح الكتب الإنجليزية التي تقدم كتب أجمل، أفضل تحريرا، أكثر تنوعا، أفضل إخراجا، أفضل مواكبة للجديد، أكثر إغراء للشراء، وقبل كل ذلك أفضل في نوعية المعلومات الموجودة في الكتاب.

عندما كنا طلبة في أمريكا، كنا دائما نتساءل عن سبب هذا الفارق الهائل بين مكتباتنا ومكتباتهم، والجواب في رأيي مربوط بشكل أساسي باقتصاديات التأليف والنشر عندنا وعندهم!

بسبب قوانين حقوق النشر الصارمة من جهة، وبسبب الإقبال الكبير على شراء الكتب من جهة أخرى، واتساع مساحة الناطقين باللغة الإنجليزية _ سكان أمريكا وحدهم 300 مليون شخص، بنسبة تصل إلى 40% من البالغين الذين يداومون على قراءة الكتب بشكل يومي _ بسبب ذلك يتوفر لمؤلف كتاب دخلا ضخما من بيعه لكتاب ناجح يصل إلى ملايين الدولارات.

الكتاب الناجح يبيع في أمريكا وحدها في المتوسط حوالي ثلاثة ملايين نسخة، بينما يبيع في أوروبا وأستراليا وكندا رقما مماثلا، وعندما يحصل المؤلف على دولارين من كل كتاب _الكتاب ثمنه 20 دولارا _ فإنه بذلك يحصل على ستة ملايين دولار قيمة تأليف كتاب واحد.

هذا الدخل الضخم من تأليف الكتب يسمح للمؤلفين بـ”التفرغ” الكامل للتأليف، وتأسيس مؤسسة حول كتبه، فتجد لديه مجموعة من الموظفين، سكرتير ينظم مواعيده، وباحث أو أكثر يتابع له الجديد، ومسؤول تسويق للكتب، وأحيانا مسؤول تسويق آخر للمؤلف، لينظم له مواعيد محاضرات _ مدفوعة طبعا _ وليحصل له على أعمدة صحفية في الصحف.

من جهة أخرى، تحصل دور النشر والتوزيع على الـ18 دولارا الأخرى، وهذا يمكنها من القيام بالكثير من التسويق والإخراج المميز، وبالإضافة لذلك تعين دور النشر لديها أفضل المحررين على الإطلاق الذين أثبتوا جدارتهم عبر السنين في الصحافة والتأليف وبرواتب مرتفعة، وهؤلاء يقومون بتحرير كل كتاب يصل لدار النشر، وربما إعادة توزيع محتوياته وعناوينه، ويكون هذا عادة جزءا من العقد مع المؤلف الذي يطير سعادة وهو يخبر أصدقاءه أنه ظفر بالمحرر الفلاني ليحرر كتابه.

هذا يعني لو لاحظتم أن المؤلف لا يكتب الكتاب بشكله النهائي، مهما كان شأنه وقدره، بل يكتبه المحرر في دار النشر لأن التحرير النهائي تخصص بحد ذاته، وهذا يشرح أيضا لماذا الكتب الأمريكية مكتوبة بلغة ساحرة تجذبك للقراءة مهما كان تخصص الكتاب ونوعيته.

صناعة النشر في أوروبا وأمريكا صناعة ضخمة يقدر حجمها السنوي بحوالي 250 مليار دولار، أي ما يزيد عن ميزانية مجموعة من الدول العربية مجتمعة، وهي صناعة لا تقبل التنازلات أو المجاملات، وتحرص على التسويق المميز، وتتبعها سلسلة من المكتبات الضخمة في كل منطقة، وفي المكتبة تجد الديكور الداخلي غير عادي، مع قهوة في وسط، ومكان لتصفح الكتب، وآخر لمناقشة الكتب مع الآخرين، مع خدمات عديدة داخل المكتبة.

عندما كان يأتيني ضيوف في أمريكا من السعودية كنت أحرص دائما على أن آخذهم لواحدة من هذه المكتبات، وعادة ما تكون الصدمة عندما يرى الزائر طوابير طويلة من الناس أمام المحاسبين ينتظرون دورهم، وكأنك في سوبرماركت.

إنها معادلة البيضة والدجاجة: لتحصل على كتاب مميز، تحتاج لعدد هائل من القراء حتى يكون هناك دخل مادي كاف لتحقيق ذلك، ولتحصل على عدد هائل من القراء، تحتاج لكتب مميزة!

هل ذكرت الأعمدة الصحفية أعلاه؟

هذه قصة لوحدها تحتاج لمقال كامل، ولكن باختصار، ينشر الكاتب الناجح عموده في 70-100 جريدة عادة في نفس الوقت، وذلك لأنه يوجد في أمريكا حوالي خمسة آلاف جريدة يومية محلية، توزع في نطاق جغرافي معين، لا يتجاوز في كثير من الأحيان مدينة واحدة، ولذلك لا ترى الصحف مشكلة في نشر العمود نفسه، وإذا كان معدل المبلغ الشهري الذي يحصل عليه المؤلف هو 2000 دولار على العمود في الصحيفة الواحدة، فإنه يحصل شهريا على 200 ألف دولار شهريا، إذا كان عموده ينشر في 100 صحيفة في نفس الوقت.

الذين يعرفون حال النشر في عالمنا العربي، وحال المؤلفين الفقراء الذين يهدون كتبهم للناس مجانا أملا في تفضلهم بالقراءة يوما وإلقاء كلمة ثناء على المؤلف المسكين، ويقارنون بما كتبت أعلاه سيضحكون قهرا وحزنا وغضبا واستغرابا.

وشر البلية ما يضحك!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية