في شهر نوفمبر الماضي، أعلنت شركة الإنترنت الأقوى في العالم “جوجل” شراءها لموقع “يوتيوب” بقيمة إجمالية قدرها 6.19 مليار ريال.
كان هذا الإعلان العلامة الفارقة الأقوى في تاريخ ما يسمى بالإعلام البديل الذي يعتمد على محتوى يقدمه القارئ للقارئ، وبداية مرحلة تاريخية جديدة في عالم الإعلام ككل.
موقع “يوتيوب” هو موقع يستقبل مقاطع الفيديو التي يرسلها الجمهور ويبثها كما هي، وزائر الموقع يجد أمامه آلاف المقاطع المرسلة من كل أنحاء العالم والتي تتفاوت بين مقطع سياسي للرئيس جورج بوش، إلى مقطع مجموعة من الشباب يغنون أمام الكاميرا أو مقطع فتاة تلاعب قطتها.
بهذا يمثل الموقع نموذجا للإعلام البديل الذي يعتمد على المحتوى الذي يرسله القراء، وشأنه في ذلك شأن المواقع الأخرى التي تعتمد على مثل هذا المحتوى مثل المنتديات والمدونات ومجموعات البريد الإلكتروني وغيرها.
لقد شكلت هذه المواقع ثورة في تاريخ الإعلام، بحكم أن الإعلام كانت أسواره عالية، وكان مخصصا للنخبة والصحفيين ليقولوا ما يريدون قوله للجمهور، بينما “الإعلام البديل” يفتح أبوابه للجميع ليكتبوا أو يرسلوا ما يريدون في ديمقراطية إعلامية غير عادية.
بعض القراء في يومنا هذا استطاعوا من خلال إدمانهم على الكتابة في مواقع المنتديات أن يحققوا تأثيرا عاما يزيد عن تأثير الكثير من الصحفيين رغم أنهم يكتبون خلف اسم مستعار لا يوضح عمرهم أو جنسيتهم، وأحيانا لا تعرف إن كانوا ذكورا أو إناثا!
وبالرغم من كل التنبؤات التي ترى أن الإعلام البديل أو ما يسمى في عالم الإنترنت بـUser-Generated Content سيسيطر على الساحة ويقضي على الإعلام الكلاسيكي المعروف، وبالرغم من أنني شخصيا من أكثر من يؤمن بالمحتوى المنتج من القراء والذي على أساسه تم استحداث فكرة التعليقات المفتوحة على الموضوعات الصحفية ومنتدى الفيديو في موقع “العربية.نت”، إلا أنني شخصيا أعتقد أن فرص نجاح الإعلام البديل محدودة، وذلك لسببين أساسيين:
- الأول: كانت هذه المبادرات ناجحة في السابق لأن الإقبال العام على المشاركة في هذه المواقع لم يكن واسعا، أما الآن لما توسعت هواية المشاركة والتفاعل مع الموضوعات والعضوية في المنتديات واقتناء المدونات، صار أمامك نسبة عالية من المحتوى الذي لا يمكن للشخص العادي المشغول تصفحه.
تخيل أنه يوجد حاليا أكثر من عشرة آلاف مدونة عربية وأكثر من ألف منتدى عربي، وإذا دخلت موقع “يوتيوب” ستجد آلاف مقاطع الفيديو.
المتلقي لهذا المحتوى الضخم يحتاج في النهاية لمن يخبره بالمميز منها وليختار له الأجمل والأفضل وليضع له كل هذا في سياق يومي مرتبط بالأحداث، وهو بالضبط ما يفعله الإعلامي.
ربما كانت وظيفة الإعلامي مختلفة هنا قليلا، ولكن الجمهور في النهاية سيحتاجون لشخص مهني ليحدد لهم ما يقرأون أو يشاهدون من بين كل هذا الزخم، وهي وظيفة أشبه ما تكون بوظيفة محرر صفحة القراء في جريدة ورقية كلاسيكية.
- الثاني: رغم وجود عشرات المبادرات العملاقة في مجال الإعلام البديل، لم يجد أحد صيغة لزيادة مصداقية هذا الإعلام.
المتلقى ما زال بحاجة للإعلامي ليبحث له عن الحقيقة وينسب المعلومات لمصادرها الصحيحة ويتوثق مما يقوله المصدر وليبحث له عن مختلف وجهات النظر في القضية الواحدة وليبحث عن رأي الخصم والحكم.
صحيح إن الإعلام له قصص فشل كثيرة في هذا السياق، ولكنه في النهاية خير من موقع مفتوح يكتب فيه المعتدل والمتطرف والكذاب والمغرض وكل من له حاجة معينة يريد تحقيقها، وكل يكتب كما يريد ويلون الحقيقة كما يريد.
حتى على صعيد لقطات الفيديو، هناك فرصة لتزوير أي لقطة بفضل تكنولوجيا تحرير الفيديو الحديثة.
هذا لا يعني أن الإعلام من القارئ للقارئ سيفشل تماما، فهو يمثل إنجازا بشريا رائعا في النهاية، ولكنه لن يستطيع النجاح بهذا الشكل، وخاصة إذا استطاعت وسائل الإعلام أن تتعامل معه بإيجابية، فتفتح له الأبواب، وإن كانت في النهاية ستقوم بدور حارس البوابة الذي يملك ذوق الاختيار وفهم احتياجات المتلقين والقدرة على فحص المصداقية.
سيمثل الإعلام البديل تحديا للجميع، تحديا للإعلام الذي لن يمكنه أن يغلق الباب على نفسه في المستقبل وعليه أن يعترف بالجمهور، وتحديا للمستخدمين الذين يريدون معرفة ما يقوله الآخرين، ولكن فقط المهم منه، وليس كل ما يقولون، وتحديا للمدونين وكتاب المنتديات الذين سيواجهون _ شاؤا أم أبوا _ فقدانهم للحرية التي كانوا يملكونها مع وجود من يختار المحتوى الأكثر تميزا ومصداقية.
الحل في رأيي هو تزاوج بين الإعلام الكلاسيكي والإعلام البديل!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية