ملاحظات حول مضامين رسائل شبكة الإنترنت العربية

من قسم شؤون إعلامية
الخميس 27 يوليو 2006|

لقد أحدثت شبكة الإنترنت تغييراً عميقاً في حياة الناس ووسائل التواصل الجماهيري في العالم العربي.

ففي حقبة ما قبل الإنترنت كانت لدى العرب قنوات محدودة للتواصل الجماهيري، وكانت تلك القنوات تخضع للرقابة الرسمية الصارمة في معظم الحالات، ما دفع الحكومات العربية _ لسنوات طويلة _ إلى رفض السماح بإنشاء شبكات للإنترنت في بلدانها، لأنها كانت تتوقع لها أن تُغير جذرياً مُجمل نظام التواصل الجماهيري في البلدان العربية كافة.

ومن الواضح أن توقعات هذه الحكومات في هذا الشأن كانت صحيحة.

يكتسي إجراء تحليل معمّق لمضامين مواقع شبكة الإنترنت العربية أهمية بالغة لأنه يوضح تفاصيل ظاهرة تواصلية بارزة غيّرت العالم العربي إلى الأبد.

وتهدف ملاحظاتي واقتراحاتي التي تشتمل عليها هذه الدراسة إلى تسهيل محاولات دراسة وفهم محتوى شبكة الإنترنت العربية من قِبل الباحثين المعنيين.

وتستند ملاحظاتي إلى نتائج “الرصد عن قرب” لشبكة الإنترنت العربية منذ عام 1996، كطالب متخرج في جامعة أوكلاهوما، الولايات المتحدة الأمريكية، وكاتب صحفي عن شبكة الإنترنت الأمريكية لسنوات عدّة “الولايات المتحدة الأمريكية”، ومدير لأول بوابة إلكترونية عربية للأخبار هي: bab.com “المملكة العربية السعودية”، ومدير لإحدى شركات تطوير مواقع الإنترنت “المملكة العربية السعودية”، ومقدّم برنامج أسبوعي حول شبكة الإنترنت “المملكة العربية السعودية”، وأستاذ لمادّة “وسائل التواصل الجماهيري” بالجامعة الأمريكية في إمارة الشارقة “الإمارات العربية المتحدة”.

وحالياً رئيس تحرير موقع Alarabiya.net “الإمارات العربية المتحدة” وهو إحدى أكثر البوابات الإلكترونية للأخبار شعبيةً في العالم العربي.

ويُمكن تعريف شبكة الإنترنت العربية من حيث وظيفتها على أنها كل ما تحتويه شبكة الإنترنت العالمية من مواد أنتجها العرب.

وتشتمل هذه المواد على كلّ ما تحتويه شبكة الإنترنت باللغة العربية، بالإضافة إلى ما تحتويه من مواد كُتبت بالإنجليزية ولغات أخرى من قبل العرب المقيمين في العالم العربي أو خارجه.

وفي هذا الجزء من البحث، أقدّم تصنيفي العام لمنتجي محتوى شبكة الإنترنت العربية.

وفي الصفحة التالية أعرض رسماً يُبين كافة العوامل والمتغيرات الرئيسية التي تؤثر في هذا النتاج الإلكتروني.

المؤسسة الرسمية

تتألف المؤسسة الرسمية في العالم العربي من الحكومات _ التي تنـزع بشدّة نحو السيطرة _ والمنظمات اللاربحية والخاصة الموالية لها.

ولطالما حاولت الحكومات العربية إحكام سيطرتها على كافّة مناحي حياة مواطنيها، كما أن الموارد المالية التي تمتلكها هذه الحكومات تُمكّنها من إطلاق المشاريع الضخمة مقارنة بمشاريع القطاع العربي الخاصّ، الذي يعاني من شح الموارد المالية بسبب الاقتصادات العربية الضعيفة.

وحتى عندما توفرت لدى القطاع الخاص الأموال الضرورية لتنفيذ مشروع ما، ثبت أنه أكثر أماناً بالنسبة لرجال الأعمال العرب ربط مشاريعهم المحليّة بالمؤسسة الرسمية.

من ناحية أخرى تحاول الدول العربية _ كسائر الدول النامية _ النهوض بمسؤولياتها الإنمائية عبر إطلاق مختلف المشاريع العامة.

لهذه الأسباب _ التي تتفاوت نتائجها من بلد عربي لآخر _ تمتلك المؤسسات الرسمية العربية العدد الأكبر من المواقع الإلكترونية في العالم العربي، كما أن هناك عاملاً آخر ساعد على بروز هذه الظاهرة _ واتضح بجلاء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر _ وهو الضغط السياسي الخارجي والداخلي المفروض على المؤسسات الرسمية العربية لحملها على قبول الإصلاح؛ إذ تحوّلت شبكة الإنترنت إلى أداة تستخدمها هذه المؤسسات لإطلاق رسائلها الإقناعية الموجهة للأطراف الدوليين والمحليين، سعياً منها لتخفيف مختلف أشكال هذا الضغط السياسي.

لكن اللافت هنا هو أنه على الرغم من الأموال الطائلة التي تنفقها الحكومات العربية على مواقعها الإلكترونية ظلت هذه المواقع ضعيفة المحتوى وصعبة الولوج، مما حد من فرص الاستفادة من الخدمات الإلكترونية التي تقدمها؛ ناهيك عن محدودية استخدام الكمبيوتر في المؤسسات والدوائر الحكومية.

ويُعزى ذلك لعوامل شتى كالفساد الإداري وضعف نظام تحديث أدوات ومقتنيات الدوائر الرسمية والافتقار إلى الخبرات التخصصية وغياب الرؤية أو الاستراتيجية الهادفة لإدخال الحاسوب على نطاق واسع في شتى المؤسسات والدوائر الحكومية العربية.

 

الأصوات

تُعرّف الأصوات على أنها النشاطات التواصلية للأفراد بصفتهم الشخصية فقط _ من دون أن يُمثلوا الجهات أو المنظمات التي ينتمون إليها.

فقبل ظهور شبكة الإنترنت كانت تسمع فقط تلك الأصوات التي كانت تحصل على إذن رسمي مسبق يخولها استخدام القنوات التواصلية المحدودة آنذاك، والتي كانت خاضعة للرقابة الحكومية المشددة.

ومن هنا يمكننا القول إن التغيير الجوهري الذي واكب ظهور شبكة الإنترنت يتمثل في حقيقة أن الأصوات العربية المتزايدة قد تحررت كلياً من الرقابة الحكومية، وأن الناس أصبحوا اليوم قادرين على استخدام العديد من قنوات التواصل للتعبير بحرية تامة عن أنفسهم وإسماع أصواتهم والرد على الأصوات الأخرى.

وهكذا، راحت المؤسسات الرسمية والمنظمات غير الرسمية الموالية لها تبذل قصارى جهدها للسيطرة على شبكة الإنترنت بدلاً من السيطرة على الأصوات التي تستعيد كامل حرية التعبير عبر استخدام قنواتها.

وليست هذه الحقيقة السبب الوحيد للأهمية المركزية التي تكتسيها دراسة وتحليل الأصوات العربية، ففي المجتمعات العربية التي تخضع أصواتها للرقابة الحكومية الصارمة يبدو أن الأصوات العربية العفوية أصبحت أصدق ما تحمله شبكة الإنترنت العربية.

أضف إلى ذلك أنه خلافاً لباقي محتوى شبكة الإنترنت العربية تتمتع الأصوات العربية بدرجة عالية من التفاعل فيما بينها، ويكتسي تحليل الخطابات السياسية التي تُستشف من الحوارات اللامتناهية بين تلك الأصوات أهمية بالغة لفهم نتائج التواصل عبر الإنترنت في العالم العربي.

إن بعض الأصوات العربية “أعلى” من بعضها الآخر.

وهي “أعلى” لأنها أكبر عدداً وتستخدم أقوى العبارات عند الحكم على الأصوات والآراء والأفكار الأخرى للسيطرة على مجريات الحوار الإلكتروني، ولأنها أصوات منظمة بفضل تبنيّها الأيديولوجية نفسها أو القيم العقائدية والثقافية نفسها.

وتلجأ بعض الأصوات إلى “الصراخ” بهدف تهميش أو إقصاء الأصوات المناوئة لتطغى عليها وتسكتها.

ونظراً لوجود أصوات مرتفعة وصارخة على شبكة الإنترنت العربية، فإنه لا بد لأي تحليل منهجي لمضامين الرسائل الإلكترونية العربية أن يأخذ جميع أصوات المجتمع العربي الافتراضي في الاعتبار.

إذ لا يخفى على أحد أن كمية الرسائل الإلكترونية لا تعكس بالضرورة نِسبَ مستخدمي الإنترنت الذين يؤيدون مواقف بعينها، لأنه باستطاعة أقلية من مستخدمي الإنترنت أن يُنتجوا معظم الرسائل الإلكترونية المؤيدة لموقف ما إنْ أرادوا ذلك.

ومن هنا يتعين إجراء دراسة إحصائية وأخرى نوعية لرسائل الإنترنت العربية إلى جانب تحليل مضامين هذه الرسائل، ليتسنى التوصل إلى استنتاجات دقيقة بشأن طبيعة أصوات شبكة الإنترنت العربية.

ومن ناحية أخرى، يُتوقع لشبكة الإنترنت أن تصبح المنتدى الرئيسي للحوار في العالم العربي.

لذا ينبغي حماية هذا المنتدى من مختلف أشكال “الصراخ”، وتُظهر الملاحظات التي سنوردها في سياق هذا البحث حول التطرّف على شبكة الإنترنت العربية بوضوح أنه من الضروري دعم وتشجيع الأصوات العربية المعتدلة.

أضف إلى ذلك أن الأصوات العربية “المرتفعة” على الإنترنت قد تضلل الباحث لأنها قد لا تعكس واقع ما يحدث في المجتمعات العربية الحقيقية.

من جانب آخر قد يتخذ صناع القرار قرارات خاطئة أو ربما يُحدثون التغيير غير المناسب إن أصغوا فقط إلى الأصوات المرتفعة بدلاً من أخذ جميع الأصوات في الاعتبار.

وتشهد البيانات الشخصية للعرب الذين يستخدمون شبكة الإنترنت تغّيراً دائماً، وذلك لأنهم يستخدمون على الأغلب أسماءً مستعارة أو مبتكرة، الأمر الذي أدى إلى ظهور هوية عربية افتراضية مختلفة تماماً، تتسم عموماً بأنها أكثر عاطفية وإحباطاً وأقل عقلانية من الهوية العربية الحقيقية.

وفيما لا تُخفي هذه “الأصوات المقنّعة” سعادتها بالحرية التي تُتيحها لها شبكة الإنترنت يُستشف منها أنها تتألم لعجزها عن مجابهة العولمة.

وباعتقادي هنالك ثمانية أنواع من الأصوات العربية على شبكة الإنترنت، هي: الأصوات المتطرّفة والليبرالية والرسمية والدينية والشابّة والنسوية، وأصوات الجاليات العربية المقيمة في الغرب، والأصوات النخبوية.

  • الأصوات المتطرّفة:

لا شك في أن أسباب الصراخ المتواصل للأصوات المتطرّفة على شبكة الإنترنت واضحة للعيان، وتتسم هذه الأصوات بالنبرة العالية والغضب والجهل والتشبث بمواقفها، فضلاً عن أنها محافظة إلى أبعد الحدود ومسيّسة وتؤمن بنظرية المؤامرة، كما أنها أصوات دأبت على تكذيب المعلومات الرسمية، وتعمل على إقصاء الأصوات المناوئة وتدعم العنف بدرجات متفاوتة.

واكتسبت الأصوات المتطرفة مزيداً من القوّة إثر حرب العراق الأخيرة التي اندلعت في عام 2003 وذلك لتنامي أعداد زوار الإنترنت الراغبين بمعرفة الرواية البديلة عن الرواية الرسمية.

وصبّ الفشل الأمريكي في العراق في خدمة قضية الأصوات العربية المتطرفة التي تناهض الليبرالية وتعادي الغرب.

وبسبب صراخها شبه المتواصل على شبكة الإنترنت _ التي باتت وسيلتها التواصلية الوحيدة _ أساءت الأصوات المتطرّفة كثيراً لشبكة الإنترنت العربية.

ونتيجةً لهذه الأصوات أصبحت شبكة الإنترنت العربية في بعض الحالات تؤثر سلباً في مسيرة التطور الإقليمي.

فعلى سبيل المثال، لا يُمكن لأحد اتهامنا بالتسرع إن قلنا إنّ شبكة الإنترنت العربية أسهمت في تصعيد الصراع السني _ الشيعي في العالم العربي.

  • الأصوات الليبرالية:

ليست هذه الأصوات حديثة العهد على شبكة الإنترنت العربية، ولكنها تكتسي اليوم أهمية بالغة في البلدان والمجتمعات العربية الأكثر محافظة، علماً بأن شبكة الإنترنت ساهمت في نشر الأجندة الليبرالية كسائر القضايا التي تناقش حالياً بحرية كاملة على شبكة الإنترنت العربية.

ولولا هذه الشبكة لما اتسع نطاق انتشار الأجندة الليبرالية على النحو الذي نشهده اليوم.

إلا أن اللافت في الأصوات الليبرالية هو أنها تصطفّ أحياناً إلى جانب الأصوات المعتدلة لمواجهة “صراخ” الأصوات المتطرّفة.

بعبارة أخرى نحن أمام شبكة إنترنت عربية يسيطر عليها قطبان رئيسيان متنازعان من الأصوات هما: المتطرف والمعتدل.

  • الأصوات الرسمية:

عندما أدركت الحكومات العربية مدى فاعلية وتأثير الحوار عبر الإنترنت، شعرت هي الأخرى بضرورة الانضمام إلى هذا الحوار.

أما الأصوات غير الرسمية المؤيدة للحكومات فهي مأجورة في بعض الحالات، حتى إن برعت في التظاهر بأنها مستقلة.

وتوظف الحكومات العربية أيضاً وسائل الإعلام الموالية لها للمشاركة في هذا الحوار.

لكنه لا يُعرف بالضبط مدى اعتماد هذه الحكومات على الأصوات المأجورة التي تروّج للمواقف والآراء الرسمية.

وبسبب معرفة الكثيرين بوجود “أصوات مأجورة تدعم الحكومات” على شبكة الإنترنت، تكرّرَ اتهام المتطرّفين للعديد من الأصوات المعتدلة والليبرالية بأنها “أبواق الأنظمة الحاكمة” أو بأنها “عميلة لأجهزة الاستخبارات” كوسيلة للتشهير بها بهدف إقصائها عن المجتمع الافتراضي العربي الواسع.

  • الأصوات الدينية:

نظراً لأن العديد من المؤسسات الدينية ظلت وقتاً طويلاً تحت إشراف الحكومات المحلية، تبنّت معظم هذه المؤسسات في حالات عدة مواقف منسجمة مع التوجهات الرسمية.

وتتجلى هذه الظاهرة بأوضح معالمها في الجهود المشتركة التي تبذلها الحكومات والأصوات الدينية الموالية لها للقضاء على الإرهاب والتطرّف، وتتمتع الأصوات الدينية الشهيرة بصدقها، وتتمتع أيضاً في الحقيقة بشعبية واسعة جداً على شبكة الإنترنت العربية.

وتظهر بيانات موقع alexa.com، أن الموقع الإلكتروني الشخصي التابع لعمرو خالد _ وهو شخصيّة دينية بارزة في العالم العربي _ كان أكثر المواقع شعبيةً على شبكة الإنترنت العربية خلال فترات عدة من عام 2005، لكن الظاهرة اللافتة التي تحتاج لدراسة معمقة تتمثل في الاختلاف الواضح بين مواقع الإنترنت الدينية التي تبدو معتدلة من جهة، والمنتديات الأصولية التي تنشر أكثر الرسائل الدينية تطرفاً على شبكة الإنترنت العربية من جهة أخرى.

  • الأصوات الشابة:

تبدو الأصوات الشابة على الأغلب حائرة أو تائهة بين باقي أصوات المجتمع الافتراضي العربي، وينزع الشباب العربي إلى التسلية والفنّ والمرح والخروج عن المألوف، ولكنّهم لا يعللون هذه التصرفات إطلاقاً، ولا يتبنون أي خطاب منهجي لتبريرها.

وفي الوقت ذاته تبدو غالبية الشباب العربي ضَجِرة وخائفة ومقموعة من قبل مجتمعاتها، ويميل أغلب هؤلاء الشباب إلى “الدردشة على الإنترنت” واستخدام قوائم عناوين البريد الإلكتروني أكثر بكثير من المشاركة في المنتديات المفتوحة، ويفضلون الانكفاء على أنفسهم.

  • الأصوات النسائية:

من المفاجئ اكتشاف أن الأصوات النسائية على شبكة الإنترنت لا تزال ضعيفة في العالم العربي.

ومع أن الليبراليين ومنظمات المجتمع المدني يتبنون قضايا المرأة العربية، إلا أن هذه القضايا لم تبرز بعد كصوت نسائي مستقل وقوي على شبكة الإنترنت العربية.

وعند التعبير عن نفسها تستخدم المرأة العربية أساليب العزلة نفسها والانكفاء على النفس التي يستخدمها الشباب، كما أنها تفتقر إلى الحجج القوية التي تدعم مواقفها.

والجدير بالذكر أن الأصوات الدينية كانت أقدر وأسرع من الإصوات النسائية على تبني ونشر قضايا المرأة العربية وتوجيه حضورها على شبكة الإنترنت.

  • أصوات الجاليات العربية في الغرب:

تتمتع الجاليات العربية المقيمة في الغرب بحرية التعبير.

ولا يحتاج أفراد هذه الجاليات إطلاقاً إلى استخدام عناوين أو هويّات شخصية مُزورة للإفلات من قمع الحكومات الغربية، كما هو الحال في البلدان العربية مثلاً.

وهذا ما يمنحهم نظرياً على الأقل القدرة على المساهمة بفاعلية كبيرة في تطوير شبكة الإنترنت العربية.

لكن الكثير من عرب المهجر يشعرون بالإحباط والغضب إزاء ما يجري في أوطانهم الأم، ناهيك عن أن غالبيتهم فقدت القدرة على ربط مجريات العالم العربي وفهم أوضاعه بسبب الغياب الطويل عن بلدانهم.

وأدت انتقاداتهم شديدة اللهجة المقرونة بالغضب إلى ظهور نوع آخر من الخطاب المتطرّف على شبكة الإنترنت العربية، بينما تكفي التجربة الديمقراطية الغنية التي اكتسبتها أصوات الجاليات العربية في الغرب لتجعل منها مصدر إلهام للإصلاح والتغيير في العالم العربي. 

  • الأصوات النخبوية:

تتكون نخب المجتمع العربي من الأكاديميين والمثقفين والكتّاب وأعلام الفكر والثقافة، لكن الأصوات النخبوية على شبكة الإنترنت العربية لا تزال محدودة، كما يبدو أن النخب العربية غير معنية كثيراً باستخدام شبكة الإنترنت.

وفي الحقيقة تنظر النخب العربية إلى التواصل عبر الإنترنت على أنه “مضيعة للوقت” أو “وسيلة لتناقل كلام الشارع العربي”.

وفي الوقت نفسه يبدو أن تشجيع النخب العربية على المشاركة في شبكة الإنترنت يُمثل واحداً من أنجع الحلول الممكنة لمشكلة التطرّف في المجتمع الافتراضي العربي.

  • منظمات المجتمع المدني الافتراضي:

في العالم العربي، لا تزال منظمات المجتمع المدني الافتراضي _ بما فيها الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها _ في مراحلها الأولى بسبب كثرة الممارسات والضوابط الحكومية التي تحد من نشاطاتها، لكن شبكة الإنترنت بدأت تتحول مؤخراً إلى خيار جيد لنشاطات هذه المنظمات والأحزاب، ويشهد العالم العربي ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل في حقيقة أن فاعلية منظمات مجتمعه المدني الافتراضي أكبر بكثير من فاعلية مجتمعه المدني الحقيقي.

لذا، لا بد من حماية وتشجيع منظمات المجتمع المدني الافتراضي في العالم العربي لأن شبكة الإنترنت تساهم حالياً بشكل جوهري في الحفاظ على بقاء جميع هذه المنظمات.

وعلى الرغم من أن غالبية شعوب العالم العربي متفقة على المفاهيم الرئيسية للإصلاح والحريات المدنية، إلا أن ممارسات بعض الأحزاب السياسية العربية تُثير مخاوف وشكوكاً متفاوتة لدى معظم أفراد المجتمعات العربية.

ففي كثير من الحالات، مثلاً، وُجهت اتهامات لأحزاب سياسية عربية بعينها بأنها تروّج للأيديولوجية الغربية، أو أنها “مجموعات من العملاء الاستخباراتيين” الذين يعملون لصالح أنظمة عربية أو دول غربية أو حتى لصالح إسرائيل.

وبوجه عام، تعاني منظمات المجتمع المدني العربي من محدودية الموارد المالية، كما أن مواقعها الإلكترونية سيئة من حيث الشكل والمحتوى.

ونظراً لمحدودية مواردها البشرية ظلت القدرة التفاعلية لهذه المنظمات محدودة أيضاً.

لذلك يتطلب الحفاظ على استمرار بقاء هذه المنظمات تزويدها بالمال غير مشبوه المصدر وتوفير الإرشاد والتدريب الجيديْن لكوادرها، للارتقاء بأدائهم التواصلي عبر تثقيفهم وتحسين مهاراتهم الإعلامية المتخصصة.

  • مجموعات المال والأعمال:

لا ترمي هذه الورقة إلى تقديم تحليل شامل ودقيق لوضع المواقع الإلكترونية العربية بقدر ما تسعى إلى تقديم أفكار عامة، تُسهّل الأبحاث التحليليلة المستقبلية المعمّقة لمضامين شبكة الإنترنت العربية.

وكما هو الحال في معظم البلدان الأخرى، يُعتبر نمو النشاطات الاقتصادية الإلكترونية في العالم العربي ظاهرة ضخمة تشتمل على العديد من العوامل والقضايا، لكن السوق العربية صغيرة وغير متطورة نسبياً، ما يجعل الحفاظ على بقاء المواقع الإلكترونية الربحية مسألة صعبة للغاية.

وعلى صعيد آخر، استطاعت المؤسسات الإعلامية “القنوات التلفزيونية والصحف” إثراء محتوى شبكة الإنترنت العربية، وتُعد مواقعها الإلكترونية من أكثر المواقع شعبيةً في العالم العربي، لكن تكلفة هذه المواقع تُغطى من عائدات المؤسسات الإعلامية الأم لأنها مواقع غير ربحية.

 

تأثيرات الوضع الراهن لشبكة الإنترنت العربية

استناداً إلى ما لاحظته عبر تجربتي الشخصية هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة في ظل الوضع الراهن لشبكة الإنترنت العربية، هي: الإصلاح والتغيير أو اكتساب الفكر المحافظ مزيداً من العمق والانتشار مع استمرار الوضع الراهن على حاله، أو سيطرة المؤسسة الرسمية على المجتمع الافتراضي العربي برمته.

  • الإصلاح والتغيير

يتطلب الإصلاح منا إثراء ثقافة الإصلاح والتغيير لدى فئات المجتمع الافتراضي العربي كافة، كما أننا بحاجة إلى تقديم رؤية واضحة ومجموعة من الأهداف التي نعتقد أن تحقيقها يعني أن الإصلاح قد أُنجز بالفعل من الناحية العملية، إذ يجب على الناس أن يعرفوا طبيعة الأهداف المنشودة قبل الشروع بالعمل من أجل تحقيقها.

كما أنّ غياب الرؤية الإصلاحية الواضحة أثر دائماً بشكل سلبي في مسيرة الإصلاح في العالم العربي، وأثار خوف واستياء الرأي العام العربي من مختلف ألوان الخطاب الإصلاحي.

ولكي يتمكن الباحثون من تقييم آفاق الإصلاح والتغيير في العالم العربي، لا بد لهم أولاً من الإجابة عن سؤاليْن طرحهما ماك لوهان، هما: هل تستطيع التكنولوجيا الإعلامية تغيير ثقافة بعينها؟ وهل الوسيلة الإعلامية بحد ذاتها هي الرسالة؟

  • تجذّر الفكر المحافظ المناهض للتغيير

تستخدم شبكة الإنترنت العربية حالياً بشكل مكثف من قبل الفئات العربية الرافضة للتغيير، كالمحافظين المتطرّفين سياسياً أو دينياً والفئات الأخرى المتأثرة برؤى الحكومات العربية التي تخشى التغيير، لكنْ لا تزال هناك شكوك كبيرة في فرص انتصار هذه الفئات المتطرفة والمحافظة في المعركة السياسية، لاسيما أن حكومات العالم العربي تتعرض لضغوط داخلية وخارجية كبيرة وتحديات صعبة للغاية، بسبب إبقائها على الوضع السياسي القائم حالياً في بلدانها، ولكن نظراً لفاعلية وسرعة تطوّر الخطاب العربي المناهض للتغيير بات من الضروري دراسته بعمق والتصدي له بخطاب معتدل داعم للتغيير والإصلاح.

  • سيطرة المؤسسات الرسمية

“إن دخول عالم الإنترنت هو أقصر طريق للعودة إلى عصر الحرية الغربية اللامحدودة، لكن هذه الحرية لن تدوم طويلاً، لذا ينبغي على المرء أن يتمتع بها قبل أن تختفي”، تايلور وسارينين.

فالحكومات تتميز عادةً بإبداع منقطع النظير عندما يتعلق الأمر بضبط الأشياء.

وهذا ما ينطبق أيضاً على مساعي الحكومات العربية لضبط شبكة الإنترنت، خصوصاً أن الأصوات المتطرفة سهّلت على الحكومات العربية تصوير شبكة الإنترنت كوسيلة خطيرة ينبغي فرض النظام فيها.

لكن السؤال الذي يحاول الكثيرون الإجابة عنه هو: كيف يمكن الحفاظ على أمان شبكة الإنترنت من دون تحويلها إلى وسيلة تواصل تقليدية يسهل على الحكومات العربية مراقبتها وإدارتها كما تشاء؟

* نُشرت الدراسة في مجلة آراء حول الخليج