أثار برنامج تلفزيوني عرضته شبكة «فوكس» الأمريكية مؤخرا، ضجة واسعة في أمريكا، إلى درجة أن كل البرامج التلفزيونية الصباحية والمسائية، والنشرات الإخبارية، وحلقات النقاش على الإنترنت، والناس في الشوارع والمقاهي، في الخمسين ولاية الأمريكية، دخلوا فجأة في نقاش حاد حول ذلك البرنامج ومحتوياته، بشكل أثار مفاجأة الجميع بمن فيهم القائمون على المحطة والذين دفعوا ثمن عدم توقعهم لذلك الكثير.
بدأ البرنامج «من يريد الزواج بمليونير؟» بعرض سريع لقصة حياة مليونير لم يعلن عن اسمه في البداية، أن هذا المليونير، الذي لا تزيد ثروته عن مليوني دولار، يريد الزواج بمن يفوز في مسابقة أعدتها شبكة «فوكس» مفتوحة لكل نساء أمريكا، وتم بث تفاصيل المسابقة وإجراءاتها لحظة بلحظة تلفزيونيا إلى أن فازت واحدة من الحالمين بالزواج بالمليونير بالمسابقة وتم الزواج تحت أنظار الملايين من المشاهدين.
تخطيط البرنامج جاء على أساس حقيقة بدأ القائمون على شبكات التلفزيون الكبرى يدركونها في أمريكا: البرامج الواقعية والقائمة على حقيقة غريبة حتى لو تمت صناعتها في استديوهات التلفزيون تجذب جمهورا يفوق جمهور البرامج الدرامية والخيالية.
ولذا؛ فإذا كان الناس كثيرا ما يقضون الوقت يشاهدون برامج وأفلام تقوم على قصة زواج غريبة، فإنهم سيجذبون أكثر لمشاهدة قصة زواج غريبة ولكنها حقيقية تجري على الهواء مباشرة وأمام أعينهم.
وأثبت توقع مخططي البرنامج الذي دام لمدة ساعتين صحته.
في النصف ساعة الأولى والتي تم فيها تقديم الـ50 متسابقة الذين وصلوا للدور النهائي من المسابقة “من بين حوالي 3000 متسابقة أصلية” كان عدد المشاهدين 10 ملايين شخص، والذين تزايدوا في النصف ساعة الثانية حين بدأ التنافس في الدور النهائي بين 10 متسابقات إلى 3,12 مليون مشاهد، ثم تزايدوا إلى 9,18 مليون شخص أثناء عرض الأزياء للمتسابقات وسؤال المتسابقات كل أنواع الأسئلة عن شخصيتهم وعن تخطيطهم للحياة الزوجية القادمة مع الملايين، ثم إلى 8,22 مليون مشاهد في النصف ساعة الأخيرة لما تم اختيار الفائزة والكشف عن شخصية المليونير التي لم يعرفها حتى المتسابقات، وبدأ العرس بعدها مباشرة.
هذه الأرقام غير العادية والتي لم تتوفر لأفضل البرامج شعبية على التلفزيون الأمريكي، أكدت للجميع أن الناس تحب أن تحلم، وأنها ستشاهد من يضع أحلامها على التلفزيون خاصة إذا كانت القصة.. حقيقية!
هذا ما جعل الهواتف ترن في أمريكا في نفس الوقت، حسب وصف محطة أمريكية، كل يطلب من أصدقائه أن يتركوا أكثر من 100 محطة أمريكية أخري ويشاهدوا البرنامج الغريب المعروض على «فوكس».
وانتهى العرس بإهداء المليونير تاجر العقار ريك ريكويل، 42 عاما، لعروسه المختارة، والتي كانت ممرضة في الجيش الأمريكي وشاركت في حرب الخليج وعمرها 34 عاما، مائة ألف دولار وسيارة جديدة وخاتم من الألماس قيمته 35 ألف دولار.
اختيار المليونير لعروس عادية الجمال وقريبة من عمره لإعجابه بشخصيتها بدلا من كل الفتيات ذات الـ 19 عاما وملكات الجمال، أيضا ساهم في حماس الناس حول البرنامج والذين لم يرونه محاولة من العريس بزواج بأجمل امرأة في أمريكا بسبب ماله، بل ظهرت كمحاولة للبحث عن العروس المناسبة.
بعد العرس وانتهاء البرنامج، لم تتوقف أسئلة الناس لحظة واحدة: أين سيقضون شهر العسل؟ كيف ستكون حياتهم؟ هل ستعجبها شخصيته؟ هل وهل وكيف ولماذا؟
وجاءت نشرات الأخبار لتجيب كل هذه الأسئلة، وبدأت الكاميرات تلاحقهم في شهر العسل الذي بدأ على سفينة تخوض عباب البحر الكاريبي، حيث بقي كل منهم في غرفة نوم مستقلة رغم أنهم تزوجوا أمام كاميرات التلفزيون، لأنهم لم يريدوا الاستعجال في خطوات الحياة الزوجية.
في نفس الوقت دارت مناقشات واسعة تلفزيونية وصحفية وعلى الإنترنت وفي المقاهي والفصول الدراسية حول هذا النوع من الزواج.
المجتمع الغربي بقي لعشرات السنين يفتخر بأنه تجاوز مرحلة «الزواج التقليدي» وأن المجتمع وصل الآن لمرحلة من النضج في نظر الفكر الغربي، حيث الزواج قائم فقط على الحب والمشاعر المتبادلة والخبرة السابقة بالشخص الآخر في العلاقة الزوجية.
البرنامج جاء فجأة ليقول للناس بأن المال كان هو العامل الأساسي في العلاقة الزوجية، وأن هناك 3000 امرأة أمريكية حاولوا فعلا الالتحاق بالمسابقة، وأن هناك أكثر من 20 مليون مشاهد تابع البرنامج بشغف.
كانت صدمة للمجتمع الأمريكي الذي بنى كل قيمه على أن المال والمؤهلات عامل ثانوي في أي علاقة زوجية وأن الحب هو الأساس، وظهر كل الكتاب الرومانسيين والفلاسفة الاجتماعيين يتساءلون «ماذا حصل للحب؟» كما هو عنوان تحقيق بهذا العنوان نشرته مجلة تايم الأمريكية الشهيرة.
السؤال الآخر الذي ظهر مرة أخرى هو عن التنافس الحاد بين الشبكات التلفزيونية الكبرى في ظل سوق إعلامي يبحث عن مشاهد إضافي، وهو التنافس الذي جعل محطة «فوكس» تتنازل عن قيم الإعلام الأمريكي في الأصالة والمحافظة على قيم المجتمع الأمريكي ورقي البرامج من أجل كسب المنافسة وقلوب المشاهدين.
وجاء الجواب..
بعد أيام قليلة فقط، جاء الجواب ليثير ضجة المجتمع الأمريكي من جديد ويجعل البرنامج نفسه يعود ليصبح الموضوع الأول في أجندة الحوار الأمريكي: العروس، واسمها دارفا كونجر، قررت أن تترك العريس المليونير لأنها لم تستطع تحمل إقامة علاقة زوجية مع رجل لم تختاره بالحب.
وانفرجت أسارير المشاهدين الذين تأكدت مفاهيمهم مرة أخرى عن الزواج والحب وخرج الجميع سعيدا بالنتيجة.
لكن أسعد الناس بما حصل كانت الشبكات التلفزيونية الأخرى، والتي خرجت كلها في نفس الوقت بحوارات تلفزيونية مكثفة مع العروس والعريس مظهرين العروس على أنها ضحية وأن العريس كان القرش اللئيم الذي مكنته محطة «فوكس» من الظهور برغباته الدنيئة من أجل تحصيل شيئ من مال المعلنين.
كانت فرصة الجميع للهجوم على محطة «فوكس» التي يملكها أمبراطور الإعلام اليهودي الاسترالي الشهير، روربرت مردوخ، والذي تلقى نصيبه من الهجوم، حتى اختارته مجلة «تايم» الأمريكية الشخص الخاسر لذلك الأسبوع.
المحطة تلقت المزيد من الهجوم لأن أحد مجلات الإنترنت المتخصصة في ملاحقة المشاهير ونشر وثائق عنهم كشفت أن المليونير مر بقضية طلاق ادعت فيه مطلقته أنه كان يضربها ويسئ إليها، كما كان مطلوبا بقضية أخرى، ودفعت حينها المحطة كثيرا من سمعتها بسبب عدم تأكدها الكامل من خلفية المليونير القانونية إلى درجة أن الاستفتاءات الأخيرة وضحت غضب الشعب الأمريكي على المحطة والبرنامج وتصنيفه لها بأنها الأسوأ من ناحية المصداقية، مما جعل المحطة تلغي كل الحلقات القادمة من برنامج «من يريد الزواج بمليونير؟» وتقسم ألا تعيد بثه إلى الأبد.
جزء أساسي من غضب الشعب الأمريكي جاء بسبب احتقاره الشديد لظاهرة «البحث عن الذهب».
والباحثون والباحثات عن الذهب، يقصد بهم الناس الذين يبحثون عن رجل أو امرأة غنية للزواج بها، وصدق أو لا تصدق، هناك في أمريكا أندية ورابطات ودورات تدريبية لـ«البحث عن الذهب»، حيث يتم فيها تعليم الناس أين يمكن ملاحقة الأغنياء والغنيات، وكيف يمكن جذب قلوبهم، ونوع الملابس والمظهر الذي يحتاجه الشخص، والخطوات التي تحقق النهاية الزواج بالعريس الذهبي.
المدرسون في الدورات، والذين كتبوا كتبا في هذا المجال يمكن الحصول عليها من بعض المكتبات، هم محترفون لـ«البحث عن الذهب»، والذين يتزوجون الأغنياء ثم يطلقوهم بعد فترة وبعد الحصول على نصف ثروة العريس أو العروس كما ينص القانون الأمريكي في حالات الطلاق، ثم يتزجون مرة أخرى من أغنياء ويطلقون وهكذا..
* نُشر في مجلة اليمامة السعودية