لا يمكن لأحد يريد أن يتحدث عن المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت أن يتجاهل موقعا يكاد يكون الأهم من نوعه.
في الحقيقة هذا الموقع يمثل بدايات ناضجة لإعلام إسلامي ذكي على شبكة الإنترنت، اسم الموقع: MSA News، أو أخبار جمعية الطلبة المسلمين.
بدأت هذه الخدمة في عام 1991، قبل بدء تفعيل شبكة الإنترنت، من خلال أعضاء جمعية الطلبة المسلمين بجامعة ولاية أوهايو، أحد أكبر الجامعات الأمريكية.
كانت المواد ترسل كلها بالبريد الإلكتروني لأفراد الجالية في مدينة كولمبس بولاية أوهايو، لإخبارهم بالأنشطة الإسلامية في مسجد عمر بن الخطاب بالمدينة وتقديم ما يكتب عنهم في مختلف وسائل الإعلام الغربي.
لما بدأت شبكة الإنترنت في عام 1992، انتقلت الخدمة إلى هناك لتكون من أقدم المواقع الإسلامية على الشبكة على الإطلاق.
في ذلك الحين، بدأ أفراد مسلمون من مدن أخرى وعدد كبير من المنظمات الغربية والمؤسسات الحكومية الأمريكية والأوروبية يبدون رغبتهم في الاشتراك في الخدمة الإلكترونية التي استمرت إلى يومنا هذا، والتي تتضمن إرسال مختلف المواد بالبريد الإلكتروني لكل المشتركين بالمجان.
قائمة المشتركين استمرت في الاتساع لتشمل مشتركين في أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلاند وألمانيا وفرنسا ومختلف الدول العربية وأوروبا بالإضافة لـ«إسرائيل»!.
ميزتان أساسيتان ساهمتا في تضخيم قائمة الأسماء:
- الأولى: أن الخدمة الإخبارية لا تطلب من المشترك نبذة عن نفسه حتى تسمح له بالاشتراك، مما شجع عدة أطراف تحرص على خصوصيتها في الاشتراك.
- والثانية: أن الخدمة سعت تماما لتقديم خدمة «موضوعية» بالمعنى المعلوماتي الغربي، وهو عدم التدخل بأي حال في المادة المرسلة، مما يؤكد للمستقبل دائما أن المادة تعبر فعلا عن الكاتب الذي يتحمل مسؤوليتها.
إذن الخدمة الإخبارية عملت في معظم الأحيان على شكل وسيط، يستقبل الأخبار والمقالات والآراء والإعلانات عن الأنشطة المختلفة من جهات عديدة، ثم يعيد ارسالها بدون تدخل في الغالب إلى جمهور الخدمة الإخبارية.
طبعا كل المواد المرسلة يجب أن تدخل في واحد من نطاقين:
- الأول: العالم العربي والإسلامي بشكل عام.
- والثاني: الظاهرة الإسلامية.
هدف القائمين على الخدمة، كما يقولون عن أنفسهم، هو محاولة شرح بعض التفاصيل المتعلقة بالعمل الدعوي والإسلامي في العالم بكل إيجابياته وسلبياته وتعقيداته.
الغرب ينظر للمسلمين على أنهم نوعان:
- متطرفون متعطشون للدماء، وهؤلاء هم المتدينون.
- وآخرون «معتدلون»، وهم تماما البعيدون عن تطبيق الإسلام بأي شكل من الأشكال.
هذه الخدمة الإخبارية وضعت ضمن أهدافها أن تشرح للغرب أن الأمر ليس كذلك، بل إن هناك الكثير من التعقيدات والتفاصيل التي يجب أن تفهم حتى يمكن فهم مبررات ودوافع ونتائج مختلف الأنشطة والظواهر الإسلامية في أيامنا هذه.
لكن هذا الهدف لم يمنع الخدمة الإخبارية من بث مواد مخالفة لذلك تماما.
أمثلة هذه المواد تشمل ردودا لأشخاص _ غالبا غربيين أو إسرائيليين _ على هذه المواد، أو تمثل مقالات معادية نشرت في الإعلام الغربي أو آراء فردية متطرفة حول بعض القضايا الإسلامية.
وفلسفة الخدمة الإخبارية في تقديم هذه المواد أن معرفتك بالآخر والتعامل معه بشكل فعال يقلل من سلبيته ويزيد من إيجابياته لا يكون بتجاهله، بل بالتعرف عليه وعلى طريقة نظره للمسلمين وقضاياهم.
أيضا السماح بالمواد المتطرفة هو تمثيل للجزء السيء من الظاهرة الإسلامية الذي يجب أن يفهمه كل من يحاول دراسة هذه الظاهرة.
استطاعت الخدمة الإخبارية أن تكسب جمهورا واسعا باتباعها لهذه القواعد في العمل الإعلامي، حتى أن مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة يوتاه الأمريكية، قالت عنها إنها «أهم مصدر معلومات من الأخبار عن الشرق الأوسط على الإنترنت»، وهي بالتأكيد شهادة تحسدها عليها الكثير من الخدمات الإخبارية المتقدمة على شبكة الإنترنت والمدارة في معظم الأحيان من أشخاص مرتبطين بإسرائيل بشكل مباشر وهدفهم تلوين مصادر معلومات الغرب عن العالم الإسلامي والأنشطة الإسلامية بالشكل الذي يخدم مصالح الجهات الممولة لهذه الخدمات الضخمة.
صفات إيجابية أخرى للخدمة الإخبارية يمكن تلخيصها في الرؤية المتوازنة التي تقدمها من خلال حرصها على تقديم الرأي وضده وثباتها في منهج العمل خلال ثمان سنوات وأخيرا الاختصار الذي يوصل الفكرة بعيدا عن أي إنشائيات.
لكن موضوعية خدمة MSA News، التي حققت هذه الشهادة وجذبت كل هذا الجمهور كانت مشكلة ضخمة في حد ذاتها لم يجد القائمون عليها لها حلا بعد.
السؤال الساخن المطروح: كيف تضمن أن قارئ هذه المواد غير المراقبة سيكون من الوعي والمعرفية بحيث لا يتأثر سلبيا بمضمون المواد المعادية للإسلام والمواد التي تحمل أفكارا خاطئة مغالية أو متحررة؟
الخدمة الإخبارية حتى الآن مازالت تعاني من تركها لهذا السؤال مفتوحا بلا إجابة، إلا تصريحها بأن الشخص غير القادر على تمييز الغث من السمين، والصحيح من الخاطئ، عليه ألا يشترك في هذه الخدمة المفتوحة، وأن يلجأ لمصادر العلم الشرعي ليعلم نفسه بما يحصنه من الوقوع في الفخاخ المختلفة ثم يأتي ليشترك.
يبدو لي أن ما حققته هذه الخدمة الإخبارية من مصداقية واسعة في الأوساط الغربية بسبب هذا التعامل المفتوح مع المواد التي ترسل لهم جعل من الصعب عليها التساهل في هذا المكسب، والمشكلة الثانية أنك في اللحظة التي تبدأ فيها في الرقابة، فهذا يعني أنك التزمت بمنهج معين في ذلك، ومشكلة تفرق المسلمين لفئات عديدة وتعقد القضايا التي تفصلهم تجعل الرقابة على الخدمة الإخبارية غير مرضية لأحد وطريقا مختصرا لكسبان كل الجمهور الواسع متعدد الفئات الذي تملكه الخدمة الإخبارية.
أحد الحلول الذي لجأ إليها في هذا المجال توفير قواعد معلومات جانبية على صفحة الخدمة الإخبارية على الإنترنت يمكن من خلالها القارئ الجاهل قراءتها وبالتالي تحصين نفسه من الأخطاء في المادة المرسلة.
مثال لهذه القواعد سيكون قاعدة الخدمة عن الشخصيات العلمية، والتي تتضمن قائمة كبيرة من الأسماء فيها معلومات واسعة عن كل واحد من الشخصيات كتبها هذا الشخصية بنفسه أو كتبها غيره عنه مع نسبة كل معلومات لكاتبها.
في هذا الحال، حين تأتيك مادة كتبها المستشرق الأمريكي اليهودي المعروف برنارد لويس، يمكنك بالرجوع إلى قاعدة المعلومات أن تعرف نصيبا جيدا عنه وبالتالي فهم دوافعه في ما يكتب وبعض النقاط السلبية التي يمكن أن يركز عليها.
القائمون على هذه الخدمة الإخبارية يعتقدون جازمين أنهم استطاعوا أن يؤثروا إيجابيا في العديد من مراكز الأبحاث والمنظمات المتخصصة، وأن يكسبوا كتابا غربيين بارزين في قضايا العالم الإسلامي، والذين يعرضون ما لديهم من خلال الخدمة الإخبارية على جمهورها وأن يكسبوا أصدقاء من كل الفئات.
في أغسطس 1995، تعرضت الخدمة الإخبارية لأزمة مميزة من نوعها تمثل نوعا من الأزمات الذي يمكن أن يواجه كل خدمة إخبارية على الإنترنت.
تقدمت خدمة إخبارية غربية في العاصمة البريطانية لندن اسمها «مرآة الشرق الأوسط»، والتي تقدم نفسها على أنها «المرجع الأساسي للشئون العربية والإسلامية لوزراء الدفاع والخارجية والوكالات الحكومية والإعلام ومراكز الأبحاث»، وخدمة إخبارية شهيرة في أمريكا اسمها «ليكسيس نيكسيس»، بشكوى رسمية ضد خدمة MSA News، على أساس أن هذه الخدمة تبث مواد صحفية تبثها هذه الخدمات على الإنترنت بدون إذن من هذه الخدمات مما يخالف قانون حقوق النشر الأمريكي.
هذا القانون الذي يمكن اعتباره عاملا مهما في النهضة الأمريكية بسبب حمايته الفريدة من نوعها في العالم للأفكار والإنتاج الفكري والعلمي والثقافي والاقتصادي بكل أنواعه، لكن هذا القانون نفسه يجعل من المستحيل على أي خدمة إخبارية بث أي شيء حتى لو كان موجودا على الإنترنت، ومتاحا لكل الناس إلا بإذن رسمي من صاحب الموقع الأصلي.
بسبب هذه الشكوى، أوقفت الخدمة الإخبارية لتسعة أشهر تم فيها التحقيق مع القائمين على الخدمة والاستيلاء على الكثير من وثائقهم، إلا أن تم عقد اتفاقية معينة لحل القضية.
بعد إعادة الخدمة الإخبارية لم يعد في إمكانها إعادة بث المواد التي تبثها الخدمات الإعلامية الغربية حول المسلمين والتي كانت مصدر اهتمام الكثير من الناس، لأن هذه الخدمات تبث عادة بمقابل مرتفع، وأخذت الخدمة الإخبارية تبحث لنفسها عن طريق جديد تلخص في النهاية في استكتاب عدد كبير من الصحفيين والمستشرقين والكتاب والأكاديميين المتطوعين، منهم إدوارد سعيد، والمستشرق برنارد لويس، بالإضافة لاستقبال آراء ومشاركات المنظمات الحكومية والخاصة والأفراد على اختلاف أنواعهم، فعادت الخدمة لازدهارها السابق وكسبت جمهورا في 46 دولة في مختلف أنحاء العالم.
إذا كتب لك زيارة موقع MSA News، فستجد بالإضافة لقاعدة المعلومات المميزة عن الشخصيات العلمية، أرشيفا بكل الرسائل التي أرسلت من خلال الخدمة في الـ9 أعوام السابقة، وستجد مداخل لعدد كبير من مراكز الأبحاث والمنظمات الموجودة في العالم العربي أو متخصصة في شؤون العالم العربي والإسلامي، وستجد ترجمة لعدد كبير جدا من الوثائق الإعلامية الهامة المصنفة حسب دول العالم الإسلامي ومداخل كثيرة لمواقع إسلامية وغربية متخصصة على الإنترنت مثل مراكز الأبحاث والجامعات والمنظمات والمجلات والخدمات المتخصصة ودور النشر والخدمات الإعلامية وقواعد المعلومات، وهناك بالإضافة لذلك صفحة فيها أكثر من 110 مدخل لمواقع على الإنترنت لمحطات إذاعية وتلفزيونية في العالم الإسلامي، وعدد كبير من المداخل لمواقع الصحف والمجلات العربية على الإنترنت.
هذه الخدمة الإخبارية تمثل نموذجا لما يمكن أن يكون عليه الإعلام الإسلامي على الإنترنت في المستقبل، وهي تحتاج عدة أمور:
- أولا: تأصيل واع لمتطلبات مرحلتنا الحالية التي تشهد انفتاحا معلوماتيا غير مسبوق من نوعه، هذا التأصيل يفترض أن يجيب على أسئلة كثيرة تطرحها مثل هذا النوع من الخدمات مثل الموضوعية، والرقابة، وحقوق النشر، والتعامل مع الآخر.
- وثانيا: علاج مشكلة التمويل بما يوفر لهذه الخدمات الإمكانيات التكنولوجية والإعلامية التي تمكنها من منافسة كل الخدمات الإخبارية الأخرى على الإنترنت.
- وثالثا: كيفية إيجاد شبكة من المراسلين المميزين لمثل هذه الخدمات التي تمكنها من التفوق الإعلامي ومواكبة الأحداث ساعة بساعة، بحيث تكون هذه الخدمات مصدرا لا يستغنى عنه لكل الجهات في العالم الإسلامي وفي الغرب التي يهمها متابعة أخبار العالم الإسلامي والأنشطة الإسلامية المتنوعة.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية