في عام 1959 قال الفيزيائي الأمريكي ريتشارد فينمان، هناك متسع للكثير في الأسفل، مشيرا إلى أن هناك مساحة هائلة للتطوير العلمي من خلال التركيز على الوحدة الأساسية للأشياء، الذرة والجزيئات، وجاء بعدها عدد من الفيزيائيين ليتفاعلوا مع هذا الحديث ويؤسسوا مفهوما اسمه “تقنية النانو” والذي يمثل مجموع الأبحاث والدراسات والتي تحاول إحداث تطوير في مختلف المجالات العلمية من خلال التركيز على الوحدات الأساسية، والذي يشبه الأبحاث التي تركز على الـDNA في الطب وعلوم الأحياء.
هذه المقدمة هي بمناسبة خبر وضع حجر الأساس لمعهد الملك عبدالله لتقنية النانو والذي يمثل مؤشرا إيجابيا يبعث على الكثير من الفرح والتفاؤل بتطور مستوى التقدم العلمي في بلادنا، وأن يحمل المعهد اسم خادم الحرمين الشريفين بما يؤكد اهتمامه الشخصي حفظه الله بهذه التقنية ودعمها هو دليل إضافي على أن هذا التطور ليس مجرد مبادرة أكاديمية أو بحثية بل اهتماما استراتيجيا على مستوى الدولة.
الاهتمام بتقنية النانو ودعم البحث العلمي في هذا المجال ليس جديدا كما هو معلوم، فالمعهد استطاع خلال سنوات بسيطة من بدء أنشطته بتسجيل عدد من براءات الاختراعات، وبدء عدد من المشاريع البحثية، وهناك أنشطة بحثية في مجال النانو في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبدالعزيز وغيرها، ووضع حجر الأساس للمعهد هذا الأسبوع هي مجرد خطوة أخرى على طريق الاهتمام بهذا المجال العلمي الهام جدا.
لكن بالرغم من الحديث المكثف عن تقنية النانو في الإعلام فإن ما يعرفه الناس عنها ما زال محدودا جدا، ليس ذلك فحسب، بل كان لي نقاش مع عدد من الطلبة الجامعيين، ووجدت أن فهمهم لمجال تكنولوجيا النانو لا يرقى لأهميته.
هناك طبعا أشخاص كثيرون يعرفون أن تقنية النانو مرتبط بإحداث تطور تقني ذي علاقة بعزل الذرة والجزيئات وأن النانو هو واحد على مليار من المتر كمقياس، وأن تطبيقاته متعددة في كل المجالات، ولكن الفهم يتوقف عند هذا الحد دون أن يعرف الكثيرون التطبيقات العلمية الواسعة جدا لتقنية النانو ودون أن يعرفوا سبب الاهتمام الضخم على أعلى مستوى بهذا النوع من الأبحاث العلمية.
نفس الأمر ينطبق على موقع المعهد على الإنترنت والذي لا يجيب على هذه الأسئلة بأي شكل من الأشكال بل إنه لا يشرح براءات الاختراع التي حصل عليها المعهد وفي أي مجالات.
هذا يدفعني لاقتراح أقدمه لجامعة الملك سعود والرائدة بمشاريعها أن تدعم مشاريعها العلمية بحملة توعوية تشرح للجمهور إجابات هذه الأسئلة.
هذا الاقتراح ليس جديدا من نوعه فهناك مراكز علمية كثيرة لديها مثل هذه الجهود، فـ”ناسا”، وكالة الفضاء الأمريكية، لديها عدد من المراكز العملاقة في أمريكا والموجهة للجمهور العام والتي تقدم شرحا تطبيقيا لمختلف النظريات العلمية، وهناك مركز مشابه في أرامكو، وهناك عدد من مراكز “الترفيه العلمي” في المملكة، وتقنية النانو تحتاج لمركز من هذا النوع يشرح للجمهور العام كل ما يتعلق بهذه التقنية وأهدافها.
هناك أيضا أمر آخر سيدفع الجمهور العام للتفاعل مع هذا الجهد العلمي الضخم وهو أن يفهم أهدافه الاستراتيجية، ما الذي تريد جامعة الملك سعود تحقيقه من خلال هذا المركز ؟، كيف ستستفيد الدولة من التركيز على هذا النوع من البحث العلمي ؟، هل هي مجرد أبحاث عشوائية يقوم بها علماء متخصصون أم أن هناك هدفا واضحا سيصل إليه المركز خلال سنوات ويساهم في نهضة المملكة العربية السعودية التنموية في هذا المجال.
أخيرا، الحديث عن جهود المملكة العربية السعودية البحثية في مجال النانو من خلال حملات إعلامية على الإنترنت ومن خلال وسائل الإعلام هو خير ما ينقل صورة إيجابية حقيقية للعالم الخارجي الذي قد لا يملك تلك الصورة. أنا متأكد أن هذا لا يخفى عن الجامعة ورجالاتها وربما ينتظرون أن يحقق المعهد المزيد من الإنجازات ليتحدثوا عنها، ولكن في رأيي الشخصي أن هذا الحديث يجب أن يبدأ الآن من خلال الإعلام الإلكتروني وغيره.
مجرد اقتراحات أطرحها من وسط الجمهور الذي يستمع ويقرأ، وكلي أمنية أن يكون هناك شرح مبسط وميسر للعموم يساهم في توثيق هذه الإنجازات ويدفع الجمهور لأن يكون متفاعلا معها بما تستحق.