لو سألت شخصا في عالمنا العربي عن ”فيسبوك” قبل عامين فقط لقال لك إنه موقع للتعارف وتبادل المعلومات والصور بين الأصدقاء.
وهذا التعريف لا يختلف كثيرا عن تعريف نسبة لا بأس بها من الناس في مختلف مناطق العالم في ذلك الحين، لكن هذه الصورة تغيرت بسرعة مع حركة الانضمام الهائلة إلى عضوية مواقع الشبكات الاجتماعية _ فيسبوك وتويتر وغيرها _ بشكل غير مسبوق تاريخيا، وصارت الشبكات الاجتماعية فجأة جزءا من حياة نسبة عالية من الجماهير، كما ظهرت على السطح فجأة شركات استشارية ودراسات و”خبراء” ومؤتمرات وجمعيات متخصصة تتحدث عن استخدام الشركات الإعلام الاجتماعي في دعم علاقتها بالجمهور وعلاماتها التجارية Branding وتحسين صورتها الذهنية لدى عموم الناس، السبب ببساطة لأن ”الإعلام الاجتماعي” Social Media أثبت أنه وسيلة فاعلة للتسويق والعلاقات العامة.
في السابق كان خبراء ومديرو التسويق لديهم حلم اسمه ”التسويق الشخصي” Word of Mouth، أي حديث الشخص مع الشخص الآخر حول منتج معين، لأن هذا كما أثبتت الدراسات والتجارب، أفضل وسيلة للتسوق، لكن تطبيق هذا الحلم لم يكن عمليا لأنه غير ممكن، فهي في النهاية لا توصل الرسالة إلا لعدد قليل من الناس، وتحتاج إلى تدريب مندوبي التسويق تدريبا مميزا، والجمهور عادة لا يعطي وقته لشخص ليتحدث معه حديثا وديا وشخصيا ومباشرا عن منتج أو شركة ما.
هذا كله أصبح ممكنا فجأة عبر الإعلام الاجتماعي، فصفحة الشركة على موقع ”فيسبوك” يتصفحها عشرات الآلاف، ومع ذلك فهم يدخلون في حديث شخصي مع ممثل الشركة على الإنترنت، الذي يستطيع أن يوصل الرسائل إليهم بشكل ودي ومباشر ومنظم كذلك.
بشكل ما تحول الإعلام الاجتماعي إلى فن العلاقات العامة الجديد، خاصة أن فن العلاقات العامة الكلاسيكي القائم على بناء علاقات مميزة مع الوسط الإعلامي لكسب تعاطفه في تغطية مناسبات الشركة وأخبارها ودعم علامتها التجارية لم يحقق نجاحا كبيرا في كثير من دول العالم لأسباب عديدة ليس هذا محل نقاشها.
خلال عام 2010 ظهر فيلم سينمائي اسمه أسرة جونز The Joneses، الذي يتحدث عن أسرة مثالية تنتقل إلى أحد الأحياء الثرية في أمريكا، وتبدأ الأسرة ببناء علاقات اجتماعية واسعة عبر أساليب مدروسة ومنظمة لتتحول إلى الأسرة القدوة، ثم يعمل أفراد الأسرة بجد واجتهاد لترويج المنتجات التي تم التعاقد معها ودفع أهل الحي لشرائها، إلى أن يكتشف الناس الحقيقة في آخر الفيلم أن أفراد الأسرة ليسوا فعلا على ارتباط ببعضهم بعضا، بل هم مجرد موظفين لدى شركة تسويق، وأن المنتجات التي كانوا ينصحونهم بها بشكل شخصي كانت تعرض عليهم ضمن عملية تسويق مكثفة.
هذا الفيلم يمثل الحلم التسويقي الذي ذكرته أعلاه، والشبكات الاجتماعية جاءت لتجعل تحقيق مثل ذلك حقيقة فعلا، وهذا ما دعا مختلف الشركات حول العالم ــ على الأقل المميزة منها ــ لتتساءل عما ينبغي فعله عبر الشبكات الاجتماعية، وكيف يمكنها الاستفادة بالفعل من هذا المجال، وكيف يمكنها أن تتعامل مع الطبيعة الجديدة وغير المسبوقة للتفاعل مع الجماهير عبر الشبكات الاجتماعية ؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة تمثل في مجموعها ما يسمى استراتيجية الإعلام الاجتماعي Social Media Strategy، وإذا كانت هناك آلاف الشركات الغربية والآسيوية قد نجحت بالفعل في وضع استراتيجيات ناجحة ومميزة، فإن هناك آلاف الشركات الأخرى التي ما زالت تفكر أو تتخبط، خاصة في ظل وجود آلاف الأدعياء الذين يدعون أنهم يعرفون الإجابات، وفي ظل وجود مديري كلاسيكيين غير مستعدين للتغيير الذي يحصل بسرعة حول العالم.
هذا المقال سلسلة من عدة مقالات حول هذا الموضوع أشرح فيه عدة قضايا لها علاقة باستراتيجية الإعلام الاجتماعي بما يتناسب مع وضع الشركات العربية والسعودية، لكن حتى أحفزكم لمتابعة المقالات القادمة، أختم بحقيقة إحصائية وردت في دراسة مهمة في مجال الإعلام الاجتماعي نشرت في يوليو 2009، وقامت بتقييم أنشطة واستراتيجية الإعلام الاجتماعي لأهم 100 علامة تجارية في أمريكا، ثم درست الأداء المالي لهذه الشركات نفسها، لتجد علاقة قوية وإيجابية بين الأداء المميز من خلال قنوات الإعلام الاجتماعي وبين الأداء المالي لهذه الشركات “الربح والدخل”.
بمعنى آخر، فإن هذه الدراسة أثبتت علميا أن الشركات التي تتمكن من استخدام الإعلام الاجتماعي من خلال استراتيجية واضحة وذكية، تستطيع أن تتفوق في أرباحها ودخلها على الشركات التي تهمل الإعلام الاجتماعي! حقيقة صادمة لأولئك الذين لم يدركوا بعد التغير السريع الذي يعيشه العالم. وللحديث بقية …
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية