كيف تسوق مدينة ؟!

من قسم منوعات
الإثنين 01 سبتمبر 2008|

عندما تبني صورة ذهنية إيجابية معينة عن مدينة أو دولة من خلال حملة تسويق مميزة فإن الكثير سيتحقق لهذه المدينة تجاريا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا على المستوى الإقليمي والعالمي.

بالرغم من أن هذه العبارة تبدو بديهية وخاصة من الناحية الاقتصادية، إلا أنها تمثل جوهر جهود ضخمة لتحسين الصورة الذهنية للمدن والدول تبذل حول العالم، وأصبحت تمثل فنا بذاته يطلق عليه “تسويق المدن والدول” City and Country Branding.

تقوم الصورة الذهنية في الأصل على عبارة قصيرة ومختصرة جدا لا تكاد تتعدى كلمات معينة، فمثلا المدينة الفلانية خير مكان لسياحة الأسرة، أو هذه المدينة هي مركز إتقان الصناعات الإلكترونية.

لاحظ مثلا الصورة الذهنية لألمانيا كبلد صناعة السيارات، هذه الصورة الذهنية لا تعني أن ألمانيا متميزة في كل شيء، ولكن التركيز المستمر على هذه الصورة البراقة سيجعلنا نحمل صورة إيجابية رائعة عن ألمانيا عموما.

لاحظ أيضا أن العبارة هي عبارة يمكن تسويقها ويمكن للجمهور تصديقها، لأن الصورة الذهنية التي لا يمكن حماية مصداقيتها تفشل في النهاية وقد تؤتي ثمارا عكسية.

في الأسبوع الماضي، تحدثت عن كون السعودية تحت الأضواء لارتباطها بالنفط وبالإسلام أمام العالم، وهذا يؤكد الحاجة لإيجاد حملات ضخمة ومنظمة وذكية ومخطط لها وذات استراتيجية طويلة المدى حتى يمكن الاستفادة من الأضواء في بناء صورة ذهنية إيجابية.

لقد أثبتت الدراسات العلمية في مجال تسويق المدن أن نسبة عالية من الناس على مستوى النخبة والعامة تصنع قرارتها التجارية والسياسية والسياحية فيما يتعلق بالمدن والدول على أساس الصورة الذهنية وليس على أساس المعطيات الحقيقية على الأرض، وأن كثيرا من الناس قد يتراجع عن زيارة دولة أو الارتباط بعمل تجاري مع أحد مواطنيها بسبب صورتها الذهنية.

هناك أوجه شبه بين تسويق المنتجات وتسويق الدول والمدن، فخبراء تسويق المدن ينصحون بوضع صورة ذهنية إيجابية ومختزلة، واختيار الصورة الذهنية يتم من خلال البحث عما تريد الدولة تحقيقه من الصورة الذهنية، والتحديد الدقيق لفئات الجمهور الذي يراد له أن يؤمن بهذه الصورة الذهنية، ثم وضع خطة مكثفة على كافة الأصعدة وطويلة المدى للوصول إلى هذه النتيجة.

من جهة أخرى هناك فرق بين تسويق المنتجات وتسويق الدول والمدن وهي أن المنتجات يمكن تعديلها وتطويرها عبر الزمن، ولكن الصورة الذهنية للمدن والدول أكثر ثباتا ولا يتصور الجمهور تعديلها ببساطة، فمثلا لو قمت بحملة ضخمة لجذب السياح لدولة معينة وجاءوا ولم تعجبهم، فإن تعديل هذه الصورة لاحقا سيكون صعبا جدا لأن الناس في العادة _ حسب ما تثبته استطلاعات الرأي _ لا تغير رأيها حول دولة أو أمة أو مدينة بسهولة.

إن تسويق الدول والمدن ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فهناك عدة تحديات ضخمة تواجهه ومنها:

  • تصادم المصالح، فالمدينة أو الدولة تعيش فيها فئات عديدة، فمثلا تسويق مدينة أنها هادئة وصديقة للبيئة قد يتصادم مع رغبات رجال الأعمال الذين يريدون تصويرها على أنها مدينة صناعية ومليئة بالحيوية.

أحيانا هناك تصادم أيديولوجي، فتسويق مدينة على أنها مدينة ترفيه سيزعج أولئك الذين يرون في ذلك اجتذابا لفئات غير مرغوبة للمدينة.

  • تسويق المدينة أو الدولة يحتاج لضغط حكومي على كافة المستويات، وهذا يضع الحكومة في حرج أحيانا مع الفئات التي تتضرر مصالحها أو تعارض لسبب أو لآخر مفردات الصورة الذهنية الجديدة.
  • من ناحية أخرى، تخطئ الحكومات أحيانا بترك بناء الصورة الذهنية للدولة أو المدينة للمسؤولين الحكوميين الذين قد لا يملكون الخبرة الكافية لاختيار الحملة التسويقية المناسبة أو بناء الخطة الاستراتيجية طويلة المدى.
  • من الصعب جدا قياس مدى تأثير حملات تسويق المدن والدول، لأن هناك عوامل كثيرة تؤثر على الصورة الذهنية للمدينة أو الدولة.

فعلى سبيل المثال، لو وضعت حملة لاجتذاب الاستثمارات الخارجية، فإن الحملة قد تفشل بسبب التقارير عن بيئتها الاستثمارية أو مناخها العام وليس بسبب الحملة التسويقية.

في الأسبوع القادم سأتحدث عن تجارب محددة لتسويق المدن والدول وعوامل نجاحها وفشلها..

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية