قد يكون الحل في «الفضفضة»

من قسم منوعات
الخميس 07 أغسطس 2008|

نحن نعيش في زمن خاص من نوعه يتميز بالضغط النفسي العالي والإحباط الشديد الذي نتنفسه كالهواء كل يوم!

أظن أن هذه النتيجة مستقرة في أعماق كثير من الناس في العالم العربي، وخاصة منهم الذين يستيقظون كل صباح لينتقلوا من ضغوط السير إلى ضغوط العمل إلى ضغوط الحاجة المادية وضغوط العلاقات الأسرية والاجتماعية وأخيرا ضغوط الأسواق المالية.

في آخر اليوم، تتبادر إلى ذهنك صورة ذلك الرجل الكسول الذي يستلقي على شاطئ جزيرة مجهولة لا يعرفه أحد وليس معه جوال ولا يحتاج لأن يعمل أي شيء سوى أن يشرب ويأكل ما يحضره له الخادم الذي وجد هناك لخدمته، بينما هو يتأمل السماء وبطنه مكشوف وشعره منكوش.

ليس غريبا أن يسمى الضغط النفسي بـ”داء العصر”، فهو مسبب للكثير من الأمراض النفسية والعضوية، وسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية، فـ”الإنسان” الذي يرتفع ضغطه، يعكس ذلك بشكل سيء على أسرته وزملائه في العمل وعلى أولئك الذين يقابلهم في الطريق أو السوق.

بالنسبة لنا نحن العرب، فنحن “نتمتع” بنوع آخر من الضغط وهو الإحباط اليومي الذي يبدأ معك مع الاستماع لنشرة الأخبار، ويتزايد كلما قمت بعمل يمنة أو يسرة، وذلك لأن الإحساس بالمشكلات السياسية والاجتماعية والتخلف المدني بأنواعه، يجعلنا نشعر من الفوضى من حولنا، وبفقدان القدرة على التقدم والتطوير، وباليأس من أن تمضي الدنيا إلى الأمام.

العلاج الوحيد للضغط النفسي والإحباط اليومي هو “الفضفضة” حسب ما تؤكد نظريات علم النفس.

الفضفضة هي التي تجعلك “تخرج” هذه الرواسب السلبية من نظامك النفسي والعقلي والعصبي، وتساعدك على تقبل المزيد منها في اليوم التالي.

نحن نمارس الفضفضة في كل يوم، قد يرزق بعضنا بأصدقاء رائعين نفضفض لهم ويتحملوننا ويمنحوننا الكثير من الحنان والحب، وآخرون يفضفضون بالغضب الذي ينزلونه على كل من حولهم، بينما يقوم البعض بالكتابة لنفسه، أو الحديث في الحمام، أو الصراخ في السيارة بعد التأكد من أن أحدا لا يراه.

لما جاء الإنترنت، خلقت وسيلة جديدة للفضفضة، ولذلك عندما تذهب للمنتديات، تجد الفضفضة جزءا أساسيا مما يكتبه هناك الناس بأسماء مستعارة، صراخ وشتائم وغضب ضد من يراه هؤلاء سببا في إحباطاتهم اليومية وغضبهم الدائم وتخلفهم السياسي والحضاري.

لهذا السبب، ترى العقلانية شبه غائبة هناك لأن الكلمات تتصاعد مع تصاعد حس الفضفضة والتنفيس اليومي لدى الكاتب.

تأمل ما يكتبه الناس، ستجد أن العبارات في كثير من الأحيان تبدأ بشكل عقلاني ومتماسك، ثم تلاحظ أنه في آخر الجملة يتصاعد الغضب وتكون الخاتمة دائما عاطفية سلبية حانقة أو حزينة باكية.

الغربيون أدركوا من خلال الدراسات أهمية ذلك، فصنعوا لذلك وظيفة خاصة، شخص متخصص في الفضفضة، تزوره في “عيادته العلاجية” Therapy clinic، فتجلس أو تستلقي على كرسي مريح وسط أضواء جميلة وديكور هادئ، ويبدأ باستفزازك بالأسئلة بأسلوب مقنن، وذلك حتى تبدأ في التنفيس عن غضبك، وإحباطاتك، فتصرخ وتشتكي وتبكي كالطفل وتسأل كل الأسئلة المحيرة التي تمنعك من النوم، ثم تفرح وتعلن فخرك بنفسك وتلقي باللائمة على كل من هم حولك، تقول المعقول واللامعقول، ثم تدفع أجرة الساعة وتمضي مع موعد للأسبوع القادم.

ليس المهم ما تقوله هناك، وليس المهم ما يقوله “أخصائي الفضفضة” أو المعالج النفسي، بل المهم أنك تخلصت من كل هذه المشاعر النفسية السلبية بأسلوب غير مؤذ لك أو للآخرين واستعددت لأسبوع شاق جديد.

نحتاج لمثل هذه العيادات، حتى نتخلص في الوقت نفسه من أولئك الذين يصرخون عند إشارات المرور، والذين يصرخون على الكاشير في السوق، والذين يعلنون أن هوايتهم اضطهاد الزوجات وضرب الأولاد وملاحقة النساء في الشارع، والذين يشوهون صفحات الإنترنت العربية، والذين ينتحرون!

حتى توجد تلك العيادات، وهي ليست عيادات طب نفسي بالمناسبة، لأن الطبيب يستخدم الدواء، وليس لديه الوقت ليستمع لمشاكلك مع حماتك، بل هي وظيفة خريجي علم النفس والعلاقات الإنسانية، والذين أسعد بتوفير فكرة لإيجاد وظائف لهم، حتى ذلك الحين، نحتاج لنتفهم حاجة كل منا للفضفضة، الزوجة تحتاج لأن تسمع لزوجها وهو يحكي لها عن أمور لا تعنيها لأنه يفضفض، والصديق ينبغي أن يبتسم عندما يفضفض صديقه له، لأنه يقوم برسالة كبرى في الحياة، وعلى الحكومات ألا تأخذ كل ما يكتب على الإنترنت بجدية كبيرة.

كان ما سبق أعلاه أسلوبي الخاص في الفضفضة، ولكل منكم أن يختار أسلوبه!!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية