الحب يمثل جوهر أي علاقة عاطفية بين رجل وامرأة، وهو بالطبع درجات، فالحب أحيانا شديد التوقد يثير الهيام والتعلق اللامحدود والتملك اللانهائي بين الحبيب وحبيبته، وأحيانا هو مجرد رغبة مشتركة في حياة زوجية سعيدة وطويلة المدى بين الرجل وزوجته.
في العادة، تبدأ قصة الحب في المجتمعات المحافظة عند لحظة الخطوبة وبدون علاقة سابقة، وذلك عندما يتفق الرجل والمرأة على الزواج من خلال الأسرة والأصدقاء أو من خلال اللقاء المباشر، وأحيانا تبدأ قصة الحب بعد العرس، وفي كلتا الحالتين تبدأ الحياة الزوجية مع توق الرجل والمرأة لبناء علاقة حميمة وزوجية طويلة المدى، تماما كما تبدأ قصص الحب، ولكن قصة الحب تنمو أحيانا حتى تصبح قصة حب متكاملة، بينما في أحيان أخرى تنتهي قصة الحب في مهدها أو قبل أن تنضج، لتستمر الحياة الزوجية بعدها بشكل روتيني كعلاقة اجتماعية قائمة على تبادل المنافع ليس إلا!
فهم هذا الأمر مهم للأزواج الجدد، فكثير من الشباب والشابات يظنون أن عقد الزواج كاف لإثبات العلاقة الحميمة بين الطرفين، وهذا يسبب الكثير من الإهمال والتساهل بحق العلاقة العاطفية الجديدة التي بدأت، وتكون النتيجة تراكم ردود الفعل السلبية والجروح والآلام بعد أن ظن الزوج أو الزوجة أنه قد امتلك الزوجة أو الزوج من خلال حفل زفاف.
أحيانا تبدأ علاقة الحب بتعارف بين رجل وامرأة قبل الاتفاق النهائي على الزواج، ويكون التحدي هنا أصعب على الطرفين مع عدم وجود الأمان الكامل في العلاقة العاطفية لأن العلاقة قد تنتهي بسهولة وبمجرد أن تفقد توقدها وحرارتها، وهذا يدفع الطرفين عادة لبذل الكثير من الجهد في العلاقة العاطفية، ولهذا آثاره السلبية أحيانا عند الزواج عندما يشعر كلا الطرفين بأنه قد آن الأوان ليرتاحوا من بذل الجهد بعد أن حصدت العلاقة العاطفية ثمارها وآتت أكلها وحققت النتيجة المرجوة وهي الزواج.
هذا الشعور يسبب أيضا نفس المشكلة لدى المتزوجين الجدد الذين بدأوا حياتهم الزوجية بدون علاقة حب سابقة، وذلك لأن الزوجين ذوي علاقة الحب السابقة سيقارنون توقد عواطفهم و”رومانسية” حياتهم الزوجية مع ما كانت عليه قبل الزواج ويشعرون بالتغيير الكبير ويصيبهم الإحباط والألم وقد يسبب هذا انهيار الحياة الزوجية أحيانا بين زوجين كانا يوما يتغنيان ليل نهار بالحب والشوق والهيام.
كيف نستطيع إنجاح علاقة حب؟ كيف نستطيع الحفاظ على ذلك الشعور العظيم الذي يتوقد في القلوب ويترك ظلاله على حياتنا اليومية فيملأها سعادة وهناء وسرورا؟ كيف يستمر هذا الشعور بعد الزواج دون أن تحصل نكسة؟ ولأولئك المتزوجين بدون علاقة حب سابقة، كيف يمكنهم تحويل الزواج التقليدي إلى قصة حب عظيمة؟
هناك أبحاث ودراسات كثيرة حول هذا الموضوع في المجتمع الغربي، وذلك لسبب بسيط أن هناك عدد هائل من العيادات المعنية بـ”العلاج الزوجي” Marriage Therapy، أي إصلاح العلاقات الزوجية وغير الزوجية كذلك.
هذه العيادات يعمل فيها عدد ضخم من المعالجين الذين يحتاجون لهذه الكتب والدراسات حتى يستطيعوا تحقيق نتائج مميزة في عملهم.
الثقافة الغربية تؤمن دائما أن العلاقات الشخصية أمر يمكن التحكم به ويمكن إصلاحه ويمكن الحفاظ عليه لو سلك الإنسان الطريق الصحيح، ولذلك توجد هذه العيادات التي يلجأ إليها الناس، بينما الثقافة الشرقية _ سواء في العالم العربي أو في الشرق الأقصى _ فهي تؤمن أن الفشل في العلاقات الشخصية أمر محتوم وجرح لا يمكن إصلاحه وعواطف قد تدفقت وأضاعها الطرف الآخر، ولذلك لا توجد لدينا هذه العيادات، وفي أحسن الأحوال يلجأ الناس إلى أحد الوعاظ الدينيين الذين يعظون الزوج والزوجة بتقوى الله ومراعاة حقوق بعضهما البعض، وهذه طبعا نصائح جميلة وهامة وأحيانا تكفي لإصلاح الخلل، ولكنها أيضا في أحيان أخرى لا تكفي لأن الزوجين يحتاجان لبرنامج علاجي متكامل من شخص قد درس العلاقات الزوجية وسبب مشكلاتها ويملك من الأفكار والحلول التي تم تجربتها في السابق ودراستها علميا وثبت نجاحها في حل تلك المشكلات.
تحدثت يوما مع معالج زوجي عربي في الدانمارك، كانت الحكومة الدانماركية قد عينته لمعالجة مشكلات الجالية العربية بعد أن اكتشفت كثرة حالات الطلاق وضرب الأطفال في الأسر العربية.
قال لي المعالج: العرب لا يأتونني إلا للحصول على إثبات أنهم يعانون من مشكلة حتى يحصلوا على إجازة من العمل!!
في الحلقات القادمة سأتحدث بالتفصيل عن نتائج هذه الدراسات والأبحاث لعلها تسهم يوما في إنجاح علاقة حب ما، حينها ستمطر السماء ويفرح الكون وتغرد الطيور لأن الحب وحده هو الذي يجعل الحياة جميلة..
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية