تمتلئ وسائل الإعلام ولوحات الحائط في المستشفيات والأفلام والمسلسلات بعبارات “عنصرية” حادة ضد من أنعم الله عليهم ببسطة الجسم وباتساع محيط البطن، وتحمل هذه العبارات تحذيرات بأشكال متعددة من هذا الفريق من الناس رغم أنه يشكل جزءا كبيرا من المجتمع لا يمكن وصفه بالأقليات، بل إن الحقيقة أن الأقلية هي تلك الفئة التي استطاعت أن تحول فقرها الفسيولوجي وعدم توافر اللحوم والشحوم لديها إلى ما يبدو وكأنه أمر إيجابي سواء على صعيد الرجال أو النساء.
لقد قامت هذه الأقلية من “النحاف” والذين نحفت عقولهم كما نحفت أجسادهم فسيطروا على وسائل الإعلام وتكاتفوا فيما بينهم حتى لا يسمحوا لأي من الأغلبية السمينة بالوصول لمراكز صناعة القرار، وصاروا يبذلون كل جهد ممكن لتصوير الأغلبية التي تتميز بالحجم الكبير والعقل الكبير على أنهم يحملون شحوما مترهلة، وأنهم معرضون للأمراض، وأن شكلهم قبيح، وصارت كلمة “سمين” رمزا سلبيا بكل أسف.
لقد عنونت هذا المقال بشعار ثوري، لأنني أظن حقيقة أنه آن لنا أن نثور على هذا التحكم العجيب بعقولنا وإعلامنا من قبل الأقليات النحيفة.
آن لنا أن نعلنها بصراحة أن معاناة هؤلاء من النحافة وعدم قدرتهم على تحمل مسؤوليات السمنة العظيمة لا يسمح لهم بإهانة الآخرين، نحن طبعا نرحم حال النحفاء واضطرارهم لحرمان أنفسهم من كل ما لذ وطاب، ولكن هذا لا يعني أن ندير لهم الخد اليسار عندما يصفعوننا على الخد اليمين.
لقد تغلغلت آثار الحملات الإعلامية لحزب النحفاء حتى صار الناس يعلنون بكل فخر أنهم فقدوا الكثير من وزنهم وأنهم استطاعوا أن يصوموا عن الطعام والشراب ويفقدوا أجزاء من أجسامهم، وذلك كله حتى لا تصيبهم الشتائم والهجمات، وصارت المرأة النحيفة تفتخر عند زوجها بأنها أنحف من جارتها، وصار الناس يعرضون أنفسهم لعمليات تدبيس المعدة رغم ما فيها من المخاطرة والغرابة واحتمال الموت “مات شاب أعرفه في الرياض بعد ساعات من عملية لتدبيس المعدة لأن جسمه لم يحتمل التغيير الجراحي القاسي الذي طرأ عليه فجأة، رحمه الله”.
إنني لا أفهم كيف يسمي شخص نفسه طبيبا وهو يقوم بإيذاء الناس وفتح بطونهم وتشجيعهم على ذلك، وهذا لا يأتي إلا بسبب تواطئه السري مع حزب النحفاء، بل إن أعرف أحد هؤلاء الأطباء الذي يجري عدة عمليات من هذا النوع كل أسبوع في أحد أرقى مستشفيات الرياض، بينما هو ممن أنعم الله عليهم بالسمنة، وعرفت هنا أن المال الذي يدفع له من تحت الطاولة من قبل حزب النحفاء يجعله يتنازل عن مبادئه نحو الآخرين وليس نحو نفسه.
لقد سررت لما أطلعني الزميل تركي الدخيل، على كتابه “مذكرات سمين سابق” على أساس أن هذا العنوان يأتي على وزن “مذكرات وزير سابق”، ويوحي بافتخاره بمرحلة السمنة الثرية من حياته، ولكن سروري انقلب لضده لما رأيت عبارات واضحة في الكتاب تؤكد أنه سقط في فخ الدعاية السوداء الشرسة المبذولة في كل مكان لغسيل دماغ المجتمع وإقناعه بسلبيات السمنة، وزاد أسفي لما علمت أن الكتاب تصدر أكثر الكتب مبيعا في عدد من معارض الكتاب والعواصم العربية.
إنني أستغرب كيف غفلت منظمات حقوق الإنسان عن هذا النوع من العنصرية البغيضة ضد السمناء، كما أستغرب كيف غفل متابعو التاريخ الإسلامي عن هذا التغير الكبير الذي حصل في ثقافتنا فبعدما كانت أجمل نساء العرب من السمنة بحيث أنها لا تستطيع القيام بنفسها من استلقائها لأخذ عقد ثمين أحضره لها زوجها، كما في القصة الشهيرة، وبينما كان الرجال يمدحون ببسطة الجسم ورجاحة العقل صار العكس تماما هو الصحيح.
يا سمان العالم اتحدوا فقد آن الأوان لنسدد للنحفاء الجبناء الضربة القاضية. إن لكمة واحدة من “سمين معتبر” كفيلة بالقضاء على عشرة نحفاء أشباه الهياكل العظمية، ولأنهم أقلية فبضع لكمات ستنهي هذه العنصرية إلى الأبد!!
* نشر في مجلة عالم الغذاء السعودية