البحث عن المتعة هي هدف أساسي لمعظم الناس، ولكن الناس تختلف عادة في مقدار وشكل المتعة الذي تبحث عنه.
علماء النفس يقولون بأن الإنسان يبدأ في السعي المكثف وراء المتعة بعد تحقيق احتياجاته الأساسية في الحياة مثل الأمن والغذاء وغيره، كما أن هناك عوامل أخرى تؤثر على بحث الإنسان عن المتعة مثل مقدار الضغط النفسي الذي يقع تحته أثناء اليوم بسبب العمل أو غيره، ومثل الإحساس بالإشباع أو الحرمان أثناء الطفولة.
على كل حال، من المؤكد أن العصر الحديث أحضر للإنسان احتياجا متزايدا للمتعة والترفيه في حياته، وهذا يفسر نمو الترفيه في حياتنا بشكل غير عادي في هذا الزمن مقارنة بنسبة الترفيه التي كان يعيشها الناس في الماضي.
هناك حديث متزايد بين الناس عن “السعادة” وبحثهم غير المجدي عن السعادة المفقودة، وهو أمر لم يكن بنفس القدر في الماضي.
أحد مشكلاتنا في هذا الزمن أن الإنسان يحصل على جرعة عالية من الترفيه كل يوم، الأمر الذي يتحول لما يشبه المخدرات حيث نقصان الجرعة يؤدي لفقدان السعادة، رغم توفر أسباب السعادة مثل عدم وجود المشكلات الجوهرية وغيره.
هناك أساليب عديدة لإيجاد السعادة التي يقترحها علماء النفس، وسأركز هنا على ثلاثة أساليب وجدتها ذات أثر إيجابي جميل في حياة الناس من حولي الذين جربوها.
- الأسلوب الأول: الاستمتاع بمسببات السعادة الصغيرة في الحياة.
هناك حولنا أشياء كثيرة تسبب السعادة ولكننا لا نراها لأنها صغيرة، مثل الابتسامة وصوت العصفور والكلمة الحلوة والمشهد الجذاب والسلوك الجميل للناس والهواء الطلق والهدية العادية والإحساس بالصحة والإحساس بالشبع والأكلة الطيبة والشعور بالأمن وغيرها.
رغم أن هذه الأمور موجودة في حياة كل إنسان إلا أن معظم الناس لا يبذل جهدا لتحويلها لسبب من أسباب السعادة، وذلك لأنها تعطي جرعة صغيرة فقط.
ميزة الأمور الصغيرة أنها كثيرة جدا بالمقابل مما يعني أنها تعطي جرعة كبيرة في آخر اليوم.
استيقظ صباحا وابدأ بتحسس كل الأمور التي تجلب لك كميات صغيرة جدا من السعادة والمتعة وراحة البال والسرور، وستجد أنها تحيط بك كل الوقت، في البداية قد تتصنع الأمور مع نفسك ولكن بعد أسابيع يتحول هذا إلى عادة تلقائية لك.
- الأسلوب الثاني: تأجيل المتعة delayed pleasure، فهناك أمور نخطط لها أحيانا لأنها تجلب لنا المتعة والسعادة، ولكن أحد الأساليب المميزة في زيادة نسبة المتعة هو تأجيل هذا الأمر قدر الإمكان لأن هذا من طبيعته أن يزيد المتعة.
إذا كنت تشتهي أمرا معينا، وتعرف أنه في متناولك الآن أن تذهب وتشتريه، فحاول أن تؤجل الأمر يوما أو يومين أو حتى أكثر.
لاحظ أن المتعة هنا ليست فقط عندما تأخذ هذا الشيء بعد طول انتظار، بل أيضا في عملية التأجيل نفسها وتمنية النفس بهذا الشيء وحرمان النفس منه لفترة.
هذا الحل استنبطه “خبراء المتعة” من سؤال بسيط: لماذا يشعر الأغنياء بالتعاسة رغم توفر كل شيء لهم، ويشعر الفقراء بالسعادة أحيانا رغم حرمانهم من كثير من تلك الأشياء؟
- الأسلوب الثالث: مواجهة أسباب التعاسة بدلا من البحث عن المتعة التي تعوضها، فالإنسان يعاني من الحزن والألم والمعاناة لأسباب كثيرة، ويخطئ البعض عندما لا يواجهون أسباب المعاناة بل يبحثون عن المتعة التي تنسيهم أحزانهم.
أوضح مثال على هذه الظاهرة حالة الرجل الذي يعاني في علاقته الزوجية، وبدلا أن يعالج مشكلاته، يلجأ للخيانة الزوجية والمتعة المحرمة لتعويض ذلك.
علاج المشكلات صعب ويحتاج إلى جهد وشجاعة وقرارات حاسمة ولكنه في النهاية له أثر دائم، بينما أسباب المتعة تكون مؤقتة في كثير من الأحيان.
البحث عن السعادة ليس بالطريق الطويل الملتوي لأن السعادة موجودة في أعماقنا وفي الأشياء من حولنا، وتحتاج منا فقط أن نمد إليها أيدينا بنية صادقة نحوها.
“استمتعوا” برحلة السعادة ولا تنسوا شد الأحزمة!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية