قصة عبدة الشيطان

من قسم منوعات
السبت 28 أبريل 2007|

في الأشهر الأولى من إقامتي في أمريكا في عام 1996، وقعت على مجموعة من الكتابات الخاصة بعبدة الشيطان، بما في ذلك “إنجيل عبدة الشيطان” Satanism Bible، وغيرها من الكتب التي يعبر بها عبدة الشيطان عن أنفسهم.

وبما أنني من القادمين الجدد إلى أرض التعددية وحرية الرأي فقد مضيت أتصفح هذه الكتابات بشغف وكتبت عنها عددا من الموضوعات الصحفية المطولة التي شرحت فيها أصول عبادة الشيطان وأفكارها، وكانت هذه الموضوعات من أوائل ما كتب في التعريف بهذه الفئة في الصحافة العربية.

باختصار عبدة الشيطان هم فئة من المجتمع الأمريكي ومن أوساط الشباب بالذات التي عشقت التمرد ضد الذات وضد كل ما هو مألوف وتشربت هذا التمرد إلى حد الانقلاب على كل الأفكار التي يؤمن بها عامة الناس بما في ذلك الأديان بالطبع.

لا يعبد هؤلاء الشيطان، فهم لا يؤمنون بالغيبيات أصلا، ولكنهم جعلوا عبادة الشيطان كشعار لهم يكشف تمردهم العميق على كل المبادئ لدرجة أنهم إن كانوا يعبدون شيئا فهم يعبدون ما يلعنه المجتمع، والشيطان رمز لهذه اللعنة، بينما يلعنون ما يقدسه المجتمع أيا كان.

جاء لاحقا من أخذ هذا التمرد إلى بعد أكبر فحوله إلى مؤسسة أيديولوجية وأطر هذه المبادئ بشكل تاريخي وثقافي، وخلق طقوسا لعبادة الشيطان، وجعل لها كنسية في كاليفورنيا، وأسس أفكارا تجارية تسمح لقيادة عبدة الشيطان بالحصول على المال من أتباعها سواء من خلال إيجاد الرموز وتسجيل حقوق ملكيتها _ مثل النجمة الخماسية الملتهبة _ ثم بيع الملابس والأشياء التي تحملها بملايين الدولارات، بل وصل الحد إلى البحث عن المواهب الغنائية والاتفاق معها وتسويقها بحيث تعبر هذه المواهب عن أفكار عبدة الشيطان التمردية والعنيفة، وبعض هؤلاء المغنين اشتهر في العالم العربي، ومن خلالهم تسربت أفكار عبدة الشيطان إلى المراهقين في عدد من الدول العربية.

كان التساؤل الذي حملته دائما في ظل الدعوة الدائمة إلى حرية التعبير وتعدد الآراء بأنه إلى أي حد ينبغي على المجتمع أن يسمح بالتمرد الفكري والثقافي، وهذا السؤال مهم جدا في رأيي ويجب طرحه بطريقة أكثر عقلانية وتمهلا من الطرح الثقافي الحالي في عالمنا العربي، وخاصة ونحن نرى جموعا ضخمة من المراهقين التي تحاول الخروج عن المألوف والتمرد على القيم الاجتماعية العامة، وخاصة كذلك ونحن نرى عددا من الكتاب والمؤلفين الذين يقذفون بكتب تخرج عن المألوف تماما.

لا أعتقد أن طريقة تعاملنا مع الأمور الآن مقبولة، فنحن نحول إلى كتاب جديد متمرد إلى قضية، ويتحول الكاتب إلى نجم بسبب صوتنا العالي المحتج على الكتاب، كما أن الشباب والمراهقين الذين يحاولون التجديد في حياتهم سواء عن طريق اللباس أو الشكل أو الأنشطة التي يمارسونها يواجههم المجتمع بالقمع والاحتجاج بلا وجود مبرر ديني أو عقلي واضح لهذا الاحتجاج.

ليس لدي الجواب، فأنا شخصيا أؤمن بعمق بالنظرية الديمقراطية التي ترى أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، وأنه في ظل سوق مفتوحة للأفكار سوف تنهزم الأفكار الضعيفة وتختفي من الوجود بينما تستمتع الأفكار القوية بالسيطرة على الساحة.

لما كان المجتمع العربي في العهود الأولى للإسلام سوقا مفتوحة للأفكار خرجت الكثير من التيارات والمذاهب العقدية، كما خرجت مدارس أدبية شديدة التحرر، ودار السجال بين هذه التيارات، وبقي الأصلح منها بينما اختفى الباقي منها وتحول إلى كتب التاريخ.

قمع الأفكار يزيد من الاستعداد للتمرد، والقمع الفكري والاجتماعي الذي نمارسه سيكون له آثار سلبية حادة في المستقبل مع سيطرة العولمة التي تسمح للإنسان من خلال التكنولوجيا “الإنترنت والجوال” أن يقول ما يريد دون أن يأبه لأحد مختفيا في أسوأ الأحوال خلف اسم مستعار.

نحن لا نريد أن يكون في أوساطنا عبدة للشيطان، ولكنه من المؤكد أنه لو كانت بلادنا سوقا حرة للأفكار فإن مثل هذه الأفكار لن تجد من يأبه لها وستموت في مهدها لحظة انطلاقها.

بالمقابل، فإن وجود السراديب الفكرية حيث تنشأ الأفكار تحت الأرض بسبب خوفها من المجتمع ستكون أفضل بيئة لنشوء الأفكار التمردية دون أن تجد من ينتبه لها ويتعامل معها، تماما كما انتشر الإرهاب وثقافة القتل باسم الدين في تلك السراديب نفسها.

أمامنا خياران فقط، خيار التعامل الذكي مع الأفكار المتمردة من خلال وضعها تحت الشمس فتموت كما تموت الجراثيم الضعيفة أو تنمو لأنها تتمرد على أفكار خاطئة، والخيار الثاني أن تفاجئنا سراديب الأفكار بالجديد كل يوم وندفع الثمن غاليا.

التمرد ضد الكبت أشد ضررا وتدميرا من التمرد ضد الأفكار!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية