وماذا عن ضحايا «الإرهاب الاجتماعي»؟

من قسم منوعات
الأحد 03 ديسمبر 2006|

كلنا عبر السنوات نسمع أحاديث عن الديمقراطية وحرية الرأي وتعدد الآراء، ونسمع رفضا للإرهاب والديكتاتورية، لكن الناس، بطريقة أو بأخرى، تجعل التعددية خاصة بالفكر والسياسة، وتجعل الإرهاب مقصورا على الأيدلوجية، رغم أننا في العالم العربي نعيش جميعا تقديس الرأي الواحد ونمارس الإرهاب ضد بعضنا ونرفض التعددية في كل لحظة من كل يوم.

قليلون هم.. من لهم علاقة وثيقة بالفكر والسياسة، ولكننا جميعا نعيش كأفراد في المجتمع، وعندما تصبح “القوة الاجتماعية” ديكتاتورية قاسية لا تسمح لك أن تكون مختلفا، فإن هذا يعني أننا كلنا ضحايا “الإرهاب الاجتماعي” وكلنا نحتاج لمن يقف معنا.

لاحظ ما يحدث في موسم الصيف حيث يهرب فيه الناس من مجتمعاتهم، ويتفنون في البحث عن بلاد في أقصى الدنيا حتى يتنفسوا حرية السلوك الفردي ويتخلصوا من القيود الاجتماعية ويرتاحوا قليلا من ظلم الجيران وذوي القربى وكل أولئك الذين يحيطون بنا، وهم يحملون أسلحتهم مستعدين للانقضاض علينا وتوجيه النقد لنا بمجرد ارتكابنا لأول غلطة، وغلطتنا ليست غلطة أخلاقية، وإنما هي فقط مخالفة للمألوف الذي قرره المجتمع كحل أوحد يحدد بدقة كيف تتكلم، وكيف تبتسم، ومن تصاحب، وماذا تدرس، ووظيفتك التي تعمل بها، وأين تذهب، وكيف تلبس.

لقد أصبح “كلام الناس” الشبح الذي يخيفنا ويلاحقنا في كل اتجاه، ويجعلنا مأسورين ليل نهار في محاولة إيصال صورة حسنة عن أنفسنا وكأننا خبراء دعاية وإعلان يعملون بجد واجتهاد للحفاظ على لمعان الصورة وألا يكتشف أحد الشوائب.

ولعل مثالا بسيطا متمثل في آلاف الشباب الذين يذهبون للجامعات كل عام _ مع كل التضحيات المرتبطة بذلك _ من أجل الشهادة و”البرستيج” يشرح بدقة قوة الضغط الاجتماعي علينا.

إنني دائما أتساءل ماذا سيحصل لو قررت أن أركب دراجة وأنا راتبي عالي، أو أركب سيارة فخمة وراتبي منخفض، أو قررت عدم الزواج، أو كنت عاطلا عن العمل، أو كان بيتي في حي فقير، أو كنت أسرح شعري بطريقة معينة، أو أعمل في مكان “لا يرفع الرأس” أو قررت أن أزوج ابنتي لشخص من أسرة وضيعة؟

لماذا يغضب الناس ويسلطون سهام نقدهم وكأن أحدا قد جرح كرامتهم؟ ومتى يأتي اليوم الذي يعيش فيه الإنسان الحياة التي يريدها وليس تلك التي يريدها الآخرون؟

والديكتاتورية الاجتماعية ليست مختصة بالسلوك، فنحن نرفض تعدد الآراء بكل أنواعها، الأب يفرض ديكتاتوريته في بيته، والأستاذ في فصله، والمدير في عمله، وكل منا يجامل من هم أعلى منه، ويفرض رأيه على من هو أدناه، حتى صارت قيمتك الاجتماعية في عالمنا العربي ترتفع كلما قل عدد أولئك الذين تضطر لمجاملتهم وإظهار موافقتك على آرائهم.

كثير من الناس ينتقد الحكومات لأنها لا تسمح له بأن يقول كل ما يريد، ولكن سرعان ما أن تلمح لانتقادك له يثور غضبا ويقرر أن لا يصاحبك، ويعبر في مجالسه عن كرهه لك.

نحن كلنا ديكتاتوريين، نؤمن بالرأي الواحد، ونكره “حرية الرأي”.

لكن لا يبدو أن هناك حل لهذه المشكلة.

عندما يصبح “حفظ ماء الوجه” مسيطرا على المجتمع، ويكون المجتمع تحت سيطرة القيم “الجماعية” بدلا من القيم “الفردية” _ كما تصف الأبحاث العلمية المجتمعات الشرقية _ يصبح هذا من خصائص المجتمع، ويصبح التغيير بطيئا بطء السلحفاة.

ولذا فإن ما أطالب به في هذه المقالة المتواضعة هو “فترة عفو”.

شهر واحد فقط، يسمح لنا بالتنفس، ويكون الشخص حرا أن يفعل ما يشاء، لا يهتم بآراء الناس، ولا بذكاء المستهزئين، ويمضي سعيدا هادئا، لا يفكر في إرضاء أحد سوى ربه الذي خلقه.

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية