«الصحافة الغذائية» لا تؤكل خبزا!

من قسم منوعات
الخميس 10 أغسطس 2006|

لو نظرت إلي وإلى زميلي أبي فيصل فهد الحجي، ونحن نتناول الطعام بشراهة في أحد المطاعم الفاخرة وبحماس منقطع النظير لما أمكن أن يخطر ببالك أنك تنظر لشخصين يديران مجلة “غذائية” متخصصة تتحدث صفحاتها عن أضرار هرمونات الدجاج وأهمية الحذر من المشروبات الغازية وضرورة تأسيس نظام غذائي سليم.

ولكن الغريب في تلك اللحظة أننا لم نكن فقط في لحظة استراحة من قيود “الغذاء السليم” بل كنا أيضا في لحظات عمل رسمية في المجلة، لأننا قررنا أن نكتب في أحد زواياها عن الأكل والمطاعم وخصوصية المميز منها!

والعمل في مجلة متخصصة هدفها تعليم الناس ما تأكل وما لا تأكل قد يبدو سهلا لخبير غذائي، ولكن كانت رئاسة تحرير مجلة “عالم الغذاء” بالنسبة لي كصحفي قضى حياته في تغطية الشؤون السياسية والاجتماعية تحديا غير عادي، ليس فقط لأنني لا أفهم شيئا في مجال الغذاء أو الصحة، ولم أكن يوما من عشاق “الأنظمة الغذائية الديكتاتورية” التي تفرض على الناس كل تفاصيل حياتهم الغذائية بما فيها عدد الكالوريهات التي يمكن لهم أن يأكلوها، بل كانت أيضا تحديا خاصا من نوعه لأنها مجلة “عالم الغذاء”.

في ذلك الوقت، عام 2001، كانت المجلة قد أصبحت علما من ناحية مصداقيتها وملفاتها المتخصصة على يد مؤسسها د. عدنان با جابر، وكان الحمل من بعده ثقيلا، وربما كانت الخطوة الأولى التي أخذتها حينئذ للتأكد أنني كـ”معارض سياسي” للأنظمة الصحية لن أدمر هذه المصداقية بجهلي هي تأسيس لجنة استشارية من مجموعة من أفضل الأكاديميين والخبراء المتخصصين في مختلف المجالات المتعلقة بتخصص المجلة حتى يراجعوا كل حرف فيها ويتأكدوا من صحته ودقته..

بعد الاطمئنان التام على هذه المسألة، بدأنا أنا وأبو فيصل في “ماراثون” إبداعي نقضي الليل والنهار في مكتب موقع “باب.كوم” _ والذي كنت أرأس تحريره أيضا _ على شارع التخصصي بالرياض نبحث عن الفكرة الحلوة ونجرب كل ما لم يجرب من قبل كمثل الفنان الذي يضرب بريشته يمنة ويسرة دون مبالاة ثم نركض بحماس المراهقين لتنفيذ هذه الأفكار في المجلة.

في البداية قررنا أنه لن يكون في المجلة تقسيم للأبواب، بل شيء يشبه “مزاج المجلة” بحيث يبدأ القارئ المجلة بموضوعات خفيفة وسريعة ثم نعطيه الموضوع الثقيل أو الملف ثم ننتهي معه بمجموعة من الموضوعات الجادة، كل واحد منها على صفحة أو صفحتين، لتنتهي المجلة بمجموعة من الصفحات الخفيفة، وتختتم بصفحة كوميدية.

ولأننا نعشق الأكل، ورأينا هذا المزاج يشبه لحظات الاستمتاع ببوفيه مفتوح، فقد سمينا الصفحات الخفيفة “مقبلات” وسمينا ملف المجلة “الطبق الرئيسي”، وسمينا الصفحة الأخيرة “مهلبية”!

في كل مكان في المجلة كنت ترى “جموح الأفكار”.

مقدمة المجلة جاءت بفكرة أن تكون مكتوبة بخط اليد بحيث تحتوي على قراءة لمحتويات المجلة على يد أحد المشاهير، و”مهلبية” كانت عبارة عن صفحة واحدة يكتبها أحد الكتاب الساخرين المشاهير أيضا، وكانت هناك لمسات جديدة في الإخراج وأسلوب التحرير، كما أحببنا فكرة التفاعل مع القراء بطريقة مختلفة، فصرنا نعد الموضوعات بناء على أسئلة واقتراحات القراء، ونضع في آخر الموضوع بخط صغير اسم الشخص الذي تم إعداد الموضوع بناء على اقتراحه، وغير ذلك الكثير من الأفكار التي لم تكن حينها مألوفة في عالم المجلات العربية، وربما كان أحد دوافع هذا الجموح حينها غيرتنا الشديدة من المجلات الغربية التي تتميز بمثل هذه اللمسات الإبداعية.

ورغم أنه مضى زمن طويل منذ أن تركت عالم الغذاء، فما زلت أبتسم أحيانا مع نفسي وأنا أكسر كل القواعد الغذائية أثناء وجبة “عظيمة” مع الندماء عندما أتذكر أنني كنت يوما رئيس تحرير مجلة غذائية صارمة تؤمن بالغذاء الصحي فقط.

بالنسبة لك كقارئ غاضب علي الآن لأنني ضيعت وقتك في قراءة سطور طويلة أتحدث فيها بنرجسية عن نفسي، فسترى أنني كنت منافقا كبيرا، يأمر الناس بما لا يفعله، ويطلب منهم ما يكرهه.

ولكن صدقني يا عزيزي القارئ لو طبقت هذه القواعد لما استطعت أن آكل شيئا “وليس الخبز فقط”!!

* نشر في مجلة عالم الغذاء السعودية