ما هي الصورة المطلوبة للسعودية في العالم؟

من قسم منوعات
الجمعة 10 سبتمبر 2004|

حضرت الأسبوع الماضي مؤتمر “صورة المملكة العربية السعودية في العالم” في الرياض، وهو مؤتمر بذل فيه الكثير من الجهد، مع شعور رجالات الجمعية السعودية للإعلام والاتصال _ الجهة المنظمة للمؤتمر _ بتمثيلهم للطبقة الإعلامية “أكاديميين ومهنيين” في المملكة، وأن مؤتمرهم السنوي يجب أن يعبر عن قدراتهم ويمثل مساهمتهم في علاج المشكلات العامة وبناء الإنجاز الإعلامي السعودي.

وككل مؤتمر، ستجد مبالغات متشائمة، ومبالغات متفائلة، ورؤى ناضجة، وطروحات تستغرب من عدم تناسبها مع ألقاب أصحابها، لكنني فوجئت بأن الكثير من المحاضرين يتحدثون وكأنهم لا يشعرون بضخامة المشكلة وأبعادها الحقيقية.

تشعر وأنت تسمع العديد من المحاضرات أن هناك عدم انتباه لما تعنيه السابقة التاريخية من أن أحد المبادئ الأساسية للحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي الأمريكي هي القطيعة مع حكومة المملكة العربية السعودية، على أساس الوهم بأن السعودية مسئولة عن هجمات 11 سبتمبر.

عندما نتذكر أن جون كيري، لديه فرص جيدة في الفوز، وأن أمريكا تمثل مركز الثقل الأكبر في العالم، والحليف الاقتصادي الأهم للسعودية، نعرف تماما ما تعنيه تهديدات كيري ضد السعودية.

الكثيرون من المشاركين في المؤتمر يبدون وكأنهم لم يشاهدوا فيلم “فهرنهايت 9/11” وإذا كانوا شاهدوه، فهم ينسون الأرقام القياسية التي حققها الفيلم والذي يهاجم السعودية بشكل حاد في مختلف دول العالم وعلى رأسها أمريكا.

المشكلة أكبر بكثير مما يظن البعض، وآثارها المستقبلية قد تتجاوز مجرد الهجوم الإعلامي، وخاصة أن السياسة العالمية اليوم تعتمد في كثير من قراراتها على الصورة الذهنية والأبعاد الإعلامية بدلا من الحقائق. 

لقد أعجبني في المؤتمر الرغبة الهائلة في جمع أكبر قدر من الأفكار والشخصيات والتنظيم المميز، ولكن استفزني برود بعض المحاضرين وكأنهم يعالجون مشكلة المياه في الربع الخالي، واستفزني أكثر أن نسبة عالية من أوراق العمل ركزت على توصيف المشكلة وتوصيف صورة المملكة في العالم، بينما كان الحديث عن الحل مرتبطا ببعض الإنشائيات والعموميات، دون الدخول في التفاصيل.

كانت هناك في جدول المؤتمر حلقتي نقاش للبحث عن الحل، وكنت أتمنى أن تكون هناك ورش عمل مكثفة يضع فيها هؤلاء الخبراء والإعلاميون خطة تفصيلية يقدمون من خلالها رؤيتهم للخروج من المأزق.

ولعل الملاحظ في أوراق العمل، حتى المميزة منها، أنها لم تتناول سؤالا هاما وهو: ما الصورة الذهنية التي نريد للعالم أن يستقبلها عن المملكة العربية السعودية؟ كيف نريد للعالم أن يعدل من نظرته السلبية القاتمة لعدد من القضايا الحيوية في الثقافة السعودية كالمرأة مثلا؟ هل سنخدع العالم _ إذا كان هذا ممكنا _ أم سنعدل وضع المرأة وغيرها من القضايا لنرضي العالم؟

هذا هو السؤال الصعب الذي تقف أمامه آلية صناعة القرار في حيرة، لأن تقديم صورة تجميلية إعلامية للأمور صعب جدا في ظل العولمة والانفتاح الإعلامي، فيما يبدو من الصعب أيضا تقبل فكرة إعادة هندسة الثقافة السعودية وأنظمتها حتى يرضى القاصي والداني.

وقبل الجواب على السؤال هناك خطوات أخرى لا بد من اتخاذها لتحسين الصورة الذهنية:

  • أولا: لا بد من تحديد الصورة الذهنية التي نريد للعالم أن يتلقاها عن المملكة.

يجب أن نكون قادرين على تلخيص هذه الصورة في عبارات قليلة يحفظها كل موظفي الوزارات الحيوية وعلى رأسها وزارة الخارجية، ويحفظها كل الإعلاميين وكل الغيورين على وطنهم عن ظهر قلب، وتكون شعارا لهم أينما ذهبوا وكيفما خططوا ونفذوا.

  • ثانيا: مع تحديد “عبارة الصورة الذهنية” Image Statement، يتم العمل الجاد لوضع “مكونات الصورة الذهنية” Image components، والتي تمثل مذكرة من عشرات الصفحات تتضمن تفصيلات هذه الصورة الذهنية التي حددتها العبارة.

هذه المذكرة ليست عبارات إنشائية ولا كلمات استنكار أو خطابات تفاؤل وليست رفعا للروح المعنوية، بل عبارات دقيقة تلخص بالضبط كيف نريد للعالم أن يرانا، وكل الألوان بين الأبيض والأسود التي ستتراوح بينها تفاصيل الصورة الذهنية “حسب الجمهور المستهدف”.

  • ثالثا: نبدأ بوضع الاستراتجيات العامة لتحقيق هذه الصورة الذهنية، ومع الاستراتيجات التي تأخذ في الاعتبار المدى البعيد والإمكانات والوضع العالمي وأهم القضايا التي تضغط سلبا على الصورة الذهنية، يتم وضع الآليات والخطط التفصيلية التي تحدد كيفية تحقيق الاستراتيجيات والأهداف.
  • أخيرا: يبدأ التنفيذ، وهو الجزء الأصعب، الذي يتطلب عشقا للوطن وإيمانا بالرسالة وتضحيات بعيدة عن المصالح الشخصية وإصرارا تتكسر أمامه التحديات، كما يتطلب تنسيقا ضخما بين الجميع، بعيدا عن احتكار الدبلوماسيين، وبيروقراطية المؤسسات العامة، واستبعاد القطاع الخاص والتطوعي، ورفض الأفراد المتحمسين.

وكيف نعالج السؤال الأصعب حول التعامل مع عالم يرفضنا كما نحن ولا يمكن خداعه بسهولة؟

الجواب يكمن في حمل العصا من الوسط والتوازن، مع التركيز على تعديل التفاصيل الخارجية، والحفاظ على الروح والجوهر، وأخيرا البحث عن الزاوية “المقبولة” أو “الإيجابية” التي نجعل العالم من خلالها ينظر لقضايانا، إنها لعبة الإقناع التي نحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى.

لكن الجواب مرتبط أيضا بأن نتأمل بعمق كيف ستكون الأمور خلال الخمسين عاما القادمة، وأن تتخذ قرارات حاسمة تضمن لنا الوصول حيث نريد قبل أن نصل لعنق الزجاجة الخانق.

ليس هناك عصا سحرية تزيل غلالة التشويه عن عيون العالم ليرانا على حقيقتنا، لكن الحل لا يكمن بالتأكيد في البرود ولا ينتهي مع اختتام مؤتمر.

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية