لحظات حاسمة تحول زعيم عصابة خطير إلى داعية إسلامي

من قسم منوعات
الخميس 28 يناير 1999|

بعد إجراءات سريعة، دخل أحد الدعاة المسلمين لسجن مدينة لوس أنجلوس ومعه مجموعة من الكتب الدعوية ليوزعها على السجناء.

بسرعة، أعطى أحد هذه الكتب لسجين على يديه وذراعيه مجموعة من الجروح العميقة وملامحه لا توحي أبدا أن هذا الكتاب قد يؤثر في مثل هذا السجين الذي لا يبدو عليه أن السجن قد علمه أي درس، وأنه فقط ينتظر لحظة خروجه ليعود لجرائمه، وقد قرر ألا يكرر أخطائه التي أوقعته بيد الشرطة.

ربما كان هذا الداعية يعرف أن هذا السجين هو صاحب لقب «أحد أكثر الرجال خطرا في أحياء الجرائم بلوس أنجلوس»، إلا أنه في تلك اللحظة لم يكن بالتأكيد يعرف أن هذا الكتاب «خلق» إنسانا جديدا ليس له من الإنسان الأول إلا تلك الجروح العميقة في مختلف مناطق جسده.

قبل 32 عاما ولد تود إسكاو، في حي للأمريكيين السود، وسرعان ما سارت به الأيام ليصبح من أخطر زعماء العصابات في منطقة جنوب وسط لوس أنجلوس، المنطقة التي دوخت شرطة المدينة في محاولة السيطرة على معدل جرائمها المرتفع، إلى أن ارتكب إسكاو، غلطته في محاولة للسطو على أحد المحلات، ليقع في النهاية في يد رجال الشرطة وينتهي به الأمر بعد محاكمته إلى غرف سجن المدينة.

خلال لحظات متسارعة عام 1992، أمسك إسكاو، بالكتاب الذي أعطاه إياه الداعية في السجن، كان الكتاب عن مالكوم إكس، الزعيم الأمريكي المسلم الشهير، رحمه الله.

كان الكتاب يحكي عن تجربة مالكوم، الذي اعتنق الإسلام على يد أليجا محمد، زعيم البلاليين السود، والذي كان يؤمن أن الإسلام هو دين السود فقط دون غيرهم مع الكثير من الخرافات عن الله سبحانه وتعالى والرسول عليه الصلاة والسلام، ثم سافر مالكوم، لمكة المكرمة للحج، وهناك تعرف على الإسلام الصحيح، دين البشرية جمعاء، ليعود لأمريكا حاملا المفهوم الجديد، ولينشق عن أليجا محمد، وينادي بالتزام الإسلام الصحيح إلى أن اغتيل، رحمه الله، أثناء إلقائه لأحد خطاباته الشهيرة والمؤثرة.

إسكاو، قرأ كل هذا، وأثار إعجابه «أن هذا الدين عالمي»، وقرر بسرعة أن يدرس ويعتنق الإسلام.

مضت الأيام في السجن وإسكاو، لم ينس قراره، وفور خروجه من السجن انطلق إسكاو، للمسجد لمقابلة الداعية الذي أعطاه الكتاب وليعلن إسلامه في نفس اليوم.

يقول: «لم يكن لدي سابقا أي دليل روحي، ولا تربية، ولا إحساس بالله، لكنني في اللحظة التي عرفت فيها عن الإسلام والنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أدركت أنني وجدت خير قدوة لكل البشرية».

قرر ناجي علي، الإسم الجديد لإسكاو، ألا يكتفي بإسلامه وأداء العبادات المطلوبة منه كمسلم كعشرات آلاف المسلمين في ولاية كاليفورنيا، بل قرر أن يتجاوز ذلك ليفعل كما فعل قدوته الأعظم محمد، صلى الله عليه وسلم، وقدوته الآخر مالكوم إكس، أن يدعو الناس للإسلام ويساعد ضعفاء الناس في مجتمعه الذين ذاقوا على يده ويد عصابته الويلات من قبل، وبالفعل أسس ناجي على، مشروعه الإسلامي «مساعدة الناس المضطهدين في كل مكان» Hope، الجمعية التي بدأت العمل الخيري في الأحياء الداخلية لمدينة لوس أنجلوس، حيث تنتشر الجرائم والمخدرات والفقر، والتي ينطبق عليها تماما القول «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود»، بالإضافة للدعوة في السجون في منطقة جنوب ولاية كاليفورنيا، وشارك ناجي، في التأسيس داعية مسلمة اسمها منيرة كريم، والتي يسميها ناجي، «قلب وروح الجمعية»، وكان الهدف واضحا أمامهم مساعدة الناس المضطهدين في المجتمع بالإضافة لتعليمهم الإسلام.

بدأ العمل في الجمعية بنفس الإيقاع السريع الذي بدأ به ناجي، قصة إسلامه.

لم ينسى ناجي، معاناته في الحصول على ما يعلمه الإسلام عندما كان يرغب في ذلك في السجن، ولذلك كانت البداية مع مشروع «كتاب رمضان»، حيث طلب ناجي من المسلمين في كل المساجد والمراكز الإسلامية في المنطقة أن يتبرعوا بالمطبوعات الإسلامية القديمة لتوزيعها على المسلمين الجدد في السجون، وبالفعل تم ذلك من خلال حوالي 1000 كتاب تمكن ناجي، من جمعها.

وفي نفس الوقت بدأ ناجي، مشروعا آخر لإطعام المشردين على الرصيف، والذين لا بيوت لهم “أحد أكبر المشكلات الاجتماعية في أمريكا والتي بدأت بالتزايد بشكل حاد في المدن الكبرى الأمريكية في منتصف الثمانينات الميلادية”.

ويضيف ناجي: «شعرنا أنه من العيب أنه لا يوجد أي منظمة إسلامية تصرف جهدها لإطعام المشردين، ولذلك أخذنا الخطوة الأولى وبدأنا برنامجا خاصا بالمشردين، حيث لا نكتفي فقط بإطعام الناس في الأحياء الفقيرة، بل نعلمهم أيضا الإسلام ونعطيهم مطبوعات إسلامية، والحمدلله الذي أعاننا على إطعام المئات كل شهر».

أيضا؛ يقوم المشروع بتوزيع الملابس على المحتاجين في الطرقات، وأسس برنامجا لتدريب المشردين بما يؤهلهم للحصول على وظائف، وفي كل مرة يحمل ناجي، مطبوعات إسلامية ويكون جاهزا للإجابة على أي أسئلة تأتيه عن الإسلام.

لا يخفي ناجي علي، فخره بنظرة الناس في تلك الأحياء إليه.

فالناس يعرفون تماما هذا الرجل وماضيه، وخاصة أفراد العصابات في منطقته عندما يقفون أمام رجل كان أعتى قادة العصابات.

يقول ناجي: «لقد منحني ذلك الاحترام والمصداقية بين كل أفراد مجتمعي الذين يعرفونني جيدا، والذين يرون فيّ في نفس الوقت الإسلام كما كان الناس يرونه في شخص مالكوم إكس، ويرون كيف أن الله ساعدني لأرتفع من حياة الفقر وإدمان المخدرات والجرائم لأصبح مسلما وإنسانا أفضل».

أيضا؛ ناجي، فخور بمجموعته من الشباب المسلمين المتطوعين، والذين يتجاوزون الخمسين شخصا ويعملون معه في مشروعه.

معظم المشاركين والمشاركات من هؤلاء من المسلمين الأمريكيين الجدد وبعضهم من الطلبة وأبناء المهاجرين المسلمين الذين تعود أصولهم لعدد من الدول العربية والإسلامية.

لكن ناجي علي، محبط في نفس الوقت من الدعم القليل جدا الذي يلقاه من المراكز الإسلامية في المنطقة.

أحيانا يصل الإحباط بناجي، ليفسر ذلك بأن بعض أئمة المساجد يرون فيه تهديدا لسمعتهم ومكانتهم التي بنوها بين الناس بمجرد الكلام بعيدا عن النشاط العملي الحقيقي، ودعمهم لمثل هذا النشاط الآن على يد شخص آخر معناه التقليل من مكانتهم، وأحيانا يفسر ذلك بأن أئمة هذه المساجد ترى أن الأولوية فقط لتعليم المسلمين الإسلام والفقه في المساجد، ولا يؤمنون بأهمية النشاط الاجتماعي بين عموم الناس، وهنا تلمس الحرقة في صوت ناجي، الذي يريد أن يقنعك أن هذا النشاط ذو ثمرة حقيقية وضخمة، وأن عشرات الناس الذين أسلموا على يديه داخل تلك الأحياء لم يكونوا ليسلموا لولا ذلك المشروع.

يقول ناجي علي: «الجالية المسلمة تحتاج لتدرك أنها تحتاج لتكون نشيطة، وتحتاج بالفعل لتعمل داخل المجتمع، نحن لا نستطيع أن نسمح أن يكون ديننا مجرد طقوس كما يحصل في لوس أنجلوس، نحن نذهب لصلاة الجمعة، ونصوم رمضان ونصلي العيد سويا، وكأنها فقط حدود ديننا، علينا أن نعيش الإسلام كل يوم، ونكون نموذجا في المجتمع كقادة مثاليين له، المسلمون لابد أن يدعموا المشروع الذي ينقل الإسلام إلى الطريق».

إلا أن ناجي علي، قرر بمجموعته أن يتجاوز ذلك الإحباط وينطلق لتأسيس مشروعه في المجتمع، وهو سعيد أن هذا الجهد نال إعجاب واحترام الكثير من الناس، وعلى رأسهم زعامة الأمريكيين السود في ولاية كاليفورنيا ممثلة بعضوة الكونجرس الأمريكي ماكسين والترز، صاحبة لقب «أقوى امرأة سوداء في الكونجرس»، والتي عينته ممثلا لولاية لوس أنجلوس، في اجتماعات المنظمات الخيرية المحاربة لظواهر الفقر والتشرد في أمريكا.

أيضا؛ كسب المشروع احترام وتعاون مؤسسات مشهورة أخرى عاملة في الوسط نفسه من غير المسلمين.

يعمل ناجي علي _ بالإضافة لإدارته لجمعية Hope _ كمرشد صحي واجتماعي في مشروع التوعية بأخطار الإيدز بين الأقليات التابع لبلدية ولاية لوس أنجلوس، والذي يشرف عليه أطباء وعاملون مسلمون متطوعون.

من خلال العائد المادي الذي يدره عمله هذا، يدفع ناجي، الكثير من تكاليف مشروعه، كما أنه عمله جعله يدرك تماما مشكلة غائبة تماما عن المسلمين هناك، أسس ناجي، بسببها قوة طوارئ مرض الإيدز الخاصة بالمسلمين.

لماذا مثل هذا المشروع؟

يقول ناجي: «الإسلام أسرع الأديان نموا في أمريكا، وكثير من المسلمين غير منتبهين لخطر فيروس الإيدز، هذا الخطر يأتي للمجتمع في أي وقت ينطق فيه شخص الشهادة، لأننا لا نعرف تاريخه، وربما هو كذلك لا يعرف إذا كان يحمل المرض، ومع ذلك فإنه يتزوج مباشرة في المساجد، وفي بعض المساجد يتزوج الناس بشكل عرفي ودون الحصول على رخصة الزواج، ولذلك كتبنا رسالة للجنة الشورى الإسلامية ولكل الأئمة نسألهم عدم إنجاز عقود زواج بدون رخصة زواج وفحص الإيدز الطبي».

المشروع القادم لجمعية «مساعدة الناس المضهدين في كل مكان»، هو بناء بيت كبير يتسع لحوالي 20 شخصا يسكن فيه المشردون بشكل مؤقت حتى تستقيم حياتهم ويتعلموا كيف يحصلون على عمل ثم يجدوا سكنا لهم ويأتي مكانهم آخرين غيرهم وهكذا.

ناجي علي، لديه نصيحته لكل من يريد تأسيس مشروع إسلامي، وخاصة تلك التي تهدف لعلاج المشكلات الاجتماعية.

أولا، محاولة التركيز لتحديد المشكلة والاحتياجات بالضبط.

بمجرد تحديد ذلك يتجه للقرآن وسنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لمعرفة الحل الصحيح، وبعد ذلك نبحث عن الحل العملي للمشكلة، هل نحتاج طعام، ملابس، سكن.

ويضيف ناجي، بأن كل مشروع يمكن أن يبدأ بواحد «بدأنا مشروعنا بشخصين والآن بارك الله لنا وصارت لدينا مجموعة كبيرة من الأخوة والأخوات المتطوعين».

طلبت من ناجي، أن يذكر قصة مؤثرة سعيدة مر بها مؤخرا أثناء علمه، وكانت التجربة لما أسلم صديقه المسيحي رشاد محمد، والذي كان يشاركه الجرائم قبل السجن ثم سجنا معا.

وفي يوم ما، شاهد ناجي، صديقه، متشردا بلا منزل في الطرقات، وكانت لحظة مؤثرة تبعتها لحظة جميلة، عندما تأثر هذا الصديق بحال ناجي علي، وقرر أن ينطق الشهادتين.

هذه المناسبة كانت فرصة أخرى لناجي _ حسب تعبيره _ ليقسم أنه سيحارب لتبقى الأهداف الإسلامية التي أسسها مالكوم إكس، في أمريكا حية لا تموت، تنتقل من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، تحمل نور الله لكل الناس.

* نُشر في مجلة اليمامة السعودية