مدينة «حيدر أباد» الهندية ذات الكثافة العالية من السكان المسلمين هي مثال لواحدة من المدن العديدة التي يتجمع فيها مسلمو الهند والتي يعانون فيها دائما من الفقر والاضطهاد وسوء الخدمات وأخطر من ذلك كله في نظر الكثير من قادة المسلمين في الهند، انعدام التعليم لديهم.
هذه الخطة الهندوسية طويلة الأمد هدفها بلا شك عزل الأقلية المسلمة في الهند تماما عن المشاركة في المجتمع وإبقاءهم في حالة من الجهل الشديد، بحيث لا يمكنهم المطالبة بعدها بمساواتهم بالشعب الهندي في الوظائف المدنية، بالإضافة لما لذلك من آثار عميقة في تدمير الجالية الإسلامية اقتصاديا واجتماعيا ودينيا، وحصر المسلمين الهنود في الأعمال الحرفية البسيطة التي تجعلهم مستخدمين دائما لدى المتعلمين الهندوس.
إنه من المفاجأ والمؤلم في نفس الوقت أن نجد أن نسبة من يعرفون القراءة والكتابة في أوساط الشباب والأطفال المسلمين في الهند في حيدر أباد وما حولها من القرى بعد 50 سنة من الاستقلال الهندي تقل عن 20%، مما يعني أن أكثر من 80% من المسلمين الهنود في منطقة حيدر أباد، وهي مجرد مثال، بعيدون تماما عن فعالية اقتصادية أو اجتماعية في المجتمع الهندي.
قادة الجالية الإسلامية في حيدر أباد قرروا مقاومة هذا النوع من التدمير العميق بتأسيس جمعيات إسلامية تعليمية ومدارس مجانية تستوعب الجيل القادم من المسلمين الهنود، معتمدين في ذلك على مساعدات المسلمين في العالم العربي والإسلامي و المسلمين الهنود في أوروبا والولايات المتحدة.
واحد من هذه الجمعيات هي جمعية نور العلوم التعليمية، والتي ركزت بالكامل على القرى المسلمة المحيطة بمدينة حيدر أباد، والتي تبعد حوالي 120 كيلومتر، وذلك لشدة معاناة هذه القرى من الجهل وقلة المسلمين المتعلمين فيها.
الجمعية عملت على تأسيس مدارس دوام كامل، ومدارس دوام مسائي، ومعاهد تعليمية، ومراكز تدريبية صيفية للفتيات لتعليمهن الخياطة، ومراكز تعليمية لمحو الأمية، وألحقت ببعض هذه المدراس مراكز صحية بسيطة، كما حرصت في تأسيس هذه المدارس على اتباع التعاليم الإسلامية، فحرصت مثلا على فصل الذكور عن الإناث رغبة في تعميق التعاليم الإسلامية منذ الصغر.
نتيجة هذه الجهود حتى الآن تأسيس مدارس في إحدى عشرة قرية في منطقة حيدر أباد يتعلم فيها 588 طالبا وطالبة، يتعلمون باللغة الأردية، وهي اللغة الأم للمسلمين الهنود في منطقة حيدر أباد، ومازال هناك الكثير من القرى والاحتياجات التي تسعى الجمعية لتلبيتها تدريجيا.
وحرصت الجمعية في كل هذه المدارس على بناء منهج تعليمي مواز للمدراس الإسلامية الكبرى في الهند، حيث المادة الشرعية وحفظ القرآن الكريم مكثف عبر المنهاج، بالإضافة للالتزام بمتطلبات المنهاج الهندي الحكومي، والهدف بعد ذلك كله بناء الشباب المسلمين القادرين على الاعتماد على أنفسهم ماديا.
أىضا؛ سعت الجمعية لتأسيس مساجد في هذه القرى التي تعاني من خلوها من المساجد اللائقة بحيث تلحق المدارس بهذه المساجد.
في كل عام تقوم الجمعية بجمع الطلبة من مختلف القرى في حفل كبير يتم فيه تكريم المتفوقين وتوزيع الجوائز الأمر الذي ترك أثرا كبيرا على الطلاب معنويا بالإضافة لتوحيد المسلمين في هذه القرى وتقوية الصلات بينهم.
المشروع القادم للجمعية هو الاستفادة من أرض واسعة امتلكتها الجمعية بالقرب من هذه القرى، بحيث يمكن بناء مدرسة داخلية كبيرة تتسع على الأقل لـ500 طالب، بالإضافة لرعاية برنامج لتدريب المدرسين للعمل في مدراس الجمعية.
جمعية أخرى بارزة تعمل في مجال التعليم في منطقة حيدر أباد هي «جامعة البنات»، والتي منذ تأسيسها عام 1408هـ، تخصصت في مجال نشر العلم الشرعي بين النساء والفتيات مع الحرص الكامل على تربيتهن على الالتزام بالتعاليم الإسلامية في حياتهن اليومية.
حققت الجامعة شهرتها بسرعة في أوساط المسلمين الهنود من خلال المبنى الجيد الذي حصلت عليه الجمعية بدعم أهل الخير ومن خلال الأثر الجميل الذي يتركه منظر عشرات الفتيات المنقبات الذي يخرجن من الجامعة لينتشرن في مجتمعهن محصنات بالعلم الشرعي الذي قد يفقده الكثيرون من الرجال والنساء من حولهن.
تدرس الجامعة اللغة العربية كمتطلب أساسي لما يراه القائمون على الجامعة من ضرورة العربية لفهم القرآن الكريم والمصادر الشرعية المختلفة، كما يتدرب النساء على العمل الدعوي من خلال برامج منظمة تعلمهن الكتابة والخطابة، ويتعلم الطالبات أيضا اللغة الإنجليزية حرصا على ربطهن بالعلوم الحديثة، بالإضافة لتعلمهن الفنون المنزلية كالخياطة والطبخ ورعاية الأبناء.
هذه المنهجية الشاملة فرضت على «جمعية البنات التعليمية» المشرفة على المشروع، الحرص على توفير مدرسين على مستوى راق والذي يقومون بتعليم الطلاب في منهج يستمر لمدة ست سنوات.
بعد أربع سنوات من اجتياز الامتحانات السنوية بنجاح تمنح الطالبة شهادة «عالمة» وبعد سنتين من ذلك تمنح شهادة «فاضلة»، فيما يدرس الطالبات الأصغر سنا لمدة خمس سنوات حتى يمكن قبولهن بعد ذلك في «الجامعة».
بعد بعد الحصول على شهادة «فاضلة»، والتي تعادل الثانوية العامة، يمكن للطالبات مواصلة تعليمهن في الجامعات الإسلامية في الهند.
هؤلاء الطالبات وفرت لهم بعض الإمكانيات المادية مثل السكن الذي يتسع لـ150 طالبة من القادمات من خارج المنطقة، بالإضافة لثمان حافلات لنقل الطالبات لمنازلهن إبعادا لهم عن الاختلاط بالرجال في المواصلات العامة في المدينة.
القائمون على الجمعية بعد ذلك تبقى لهم الكثير من الآمال في تحسين وضع السكن الداخلي، وتوفير المزيد من وسائل النقل، وتحسين مستوى التعليم والفصول الدراسية، وهم يعتمدون في ذلك تماما على أهل الخير من المحسنين.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية