شهد هذا الأسبوع خبران هامان في عالم مواقع الإنترنت الاجتماعية، كان أولها إطلاق “جوجل” لموقعها الاجتماعي “جوجل بلس” Google+، والتي تنوي من خلاله مقارعة “فيسبوك” رأسا برأس، والسيطرة على جزء من حصة عالم الإعلام الاجتماعي.
والخبر الثاني هو قرار “نيوز كورب”، المجموعة الإعلامية العملاقة التي يملكها روبرت مردوخ، ببيع موقع ماي سبيس (MySpace.com)، إلى شركة مغمورة متخصصة في التسويق الإلكتروني بمبلغ لا يتعدى 35 مليون دولار بعد أن اشترته قبل ست سنوات بمبلغ 580 مليون دولار أمريكي.
ورغم أن “ماي سبيس” قد بدأ ثورة الشبكات الاجتماعية وكان يمكن أن يبقى مسيطرا على الساحة، لكن فريق “فيسبوك” جاء بروح مختلفة تتحرك بسرعة وتخاطب الجمهور بذكاء، في حين اشترت “ماي سبيس” شركة إعلامية ضخمة كانت تظن أن المعجزات ستحصل لوحدها، ولم يكن لديها التركيز الكافي لإنجاح شبكة اجتماعية بعقلية مختلفة عن عقلية إدارة القنوات التلفزيونية والأفلام السينمائية.
قصة “ماي سبيس” هي قصة يذكرها الجميع في أوساط مواقع الإنترنت لأنها تمثل رمزا للسقوط السريع لموقع كان في القمة ثم جاءت الإدارة الفاشلة لتغير الصورة.
لهذا فإن قرار أحد مؤسسي موقع “تويتر” هذا الأسبوع أن يترك الشركة ليتفرغ لصناعة “الفكرة الكبيرة القادمة” كان مثيرا للقلق في أوساط المحللين المتخصصين، وذلك لأن “تويتر” لم تبدأ في تحقيق الأرباح المالية بعد، ولأن غياب المؤسسين وتغيير الإدارة قد يعني بداية الإنحدار في مشاريع الإنترنت الجديدة.
من خلال حديث شخصي مع أحد الذين ساهموا في صفقة “ماي سبيس” في أوساط “نيوز كورب”، فإن السبب الغالب لسقوط الموقع هو ضعف التطوير التقني فالموقع لم يطور نفسه بسرعة، ولم تتفهم الشركة الإعلامية الكلاسيكية العتيقة معنى ذلك، وخسرت في قصة فشل نادرة من نوعها.
هذا الدرس يعتبر من أهم الدروس في عالم الإنترنت، فبناء موقع مميز يجتذب ملايين الناس لا يعني أبدا التربع على القمة للأبد، لأن هناك منافسين يعملون بجدية للحاق بك، ولأن الناس الذين يعيشون على شبكة الإنترنت يغيرون عاداتهم بسرعة، ويتركونك ويرحلون مباشرة بنسبة ولاء محدودة إذا وجدوا أن الموقع الجديد يقدم لهم الأفضل.
هذا ما تراهن عليه “جوجل” في قصة المنافسة التي بدأتها هذا الأسبوع مع “فيسبوك”، وهو ما راهنت عليه من قبل في صراعها مع “ميكروسوفت” (البحث والإيميل والخدمات) التي انتصرت فيه، وصراعها الحالي مع Apple من ناحية أجهزة وتطبيقات الموبايل الذي ما زال مستمرا.
“فيسبوك” استمتع بأعداد الملايين من الناس التي تنضم إليه كل يوم وآمن أنه صار يملك الجمهور، ولذلك فهو من المواقع التي لا تستمع كثيرا لما يريده الناس، ويفعل في النهاية ما يراه سيحقق النجاح، وحتى الآن فهو يتصرف بذكاء خاص.
ولكن الأصوات الغاضبة الكثيرة على “فيسبوك” وسياسته التي تفرض على الناس أن يضعوا معلوماتهم أمام الجميع “بحد أدنى من السرية والتمييز بين مجموعات الأصدقاء”، وسياسته التي ترفض مشاركة الأرباح الإعلانية مع الصفحات التي تحقق له عدد الزوار، ستكون كلها نقاط ضعف استفادت منها “جوجل” في تصميم الشبكة الاجتماعية الحديدة، وأعتقد أنها ستتمكن من اجتذاب أعداد سريعة من الجمهور الغاضبين على “فيسبوك” أو المحبين لثقافة “جوجل” بشكل عام.
فريق “فيسبوك” في النهاية فريق أثبت ذكائه وقد يغير سياسته كلها ليواكب المنافس الجديد، لأنه في عالم الإنترنت والشبكات الاجتماعية لا بقاء لأحد إذا لم تستمر في المنافسة.
في عالم الإنترنت لا يكفي أن تكون متقدما على خصمك خطوة أو خطوتين لأنه سيمكنه اللحاق بك سريعا، بل عليك أن تكون متقدما ثلاث خطوات على الأقل حتى تضمن للموقع التفوق والاستمرار في النجاح.
قصة “جوجل بلس” لها عبرة أخرى، فكثير من المستثمرين والشركات في العالم العربي أحجموا عن الاستثمار في الشبكات الاجتماعية على أساس أن “فيسبوك” لن يترك لهم فرصة للنجاح، وهو في الغالب نفس السبب الذي جعل “نيوز كورب” تبيع “ماي سبيس” بمبلغ زهيد، وهذا بالتأكيد غير صحيح، فالشبكات المحلية في الهند والصين واليابان وأمريكا اللاتينية نجحت نجاحا ساحقا، وذلك ببساطة أن هناك دائما ما يمكنك تقديمه ولا تقدمه الشركات العملاقة الكبيرة، وهناك حاليا عشرات المواقع الاجتماعية الناجحة، والسبب أن الناس يمكن لها الانتماء لعدة مواقع في نفس الوقت ما دامت تخدم أغراضا مختلفة.
أتمنى لو أقول هذا الكلام بأعلى صوتي لأنه مما يؤلم أن الشبكات الاجتماعية العربية ما زالت ضعيفة ومحدودة ولا تكاد تقدم شيئا، ولا أحد يستغل هذه الفرصة الذهبية حتى الآن، وإذا اتفقت معي بأن الشبكات الاجتماعية ستمثل مستقبل الحياة الافتراضية والبعد الإلكتروني في حياة الناس، فإن امتلاك العرب لشبكتهم الخاصة بهم يصبح أمرا محتما.
“جمهورية فيسبوك” قد تواجه ثورة مضادة من الهاربين إلى “جوجل”..!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية