هناك أمر واضح يمكن استنتاجه من الندوات المرافقة لمهرجان التلفزيون العالمي MIPCOM، والذي يقام هذا الأسبوع في مدينة كان الفرنسية، ومن أحاديث رؤساء الشركات في الاجتماعات على هامش المهرجان، وهو أن المؤسسات الإعلامية والتي كانت تتساءل لسنوات طويلة عما ينبغي فعله بشأن الإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي، وإذا كان ينبغي أن تستثمر في هذا المجال، صارت تتساءل الآن كيف يمكنها اللحاق بقطار الإعلام الجديد وهل ضاع عليهم القطار فعلا.
في الماضي كانت المؤسسات الإعلامية تتساءل ما إذا كان الإنترنت سيكون له قيمة إعلامية ومالية فعلا، ثم صارت تحاول الاستفادة منه لتسويق منتجاتها الإعلامية فقط، ولكن معظم المؤسسات الإعلامية وقفت متفرجة بينما شركات كثيرة يتم إنشاءها لتستثمر في المجال الجديد، ومع نمو هذه المؤسسات واستيلائها على قلوب وعقول المشاهدين على حساب الإعلام الكلاسيكي، بدأت المؤسسات الإعلامية تدق نقوس الخطر.
المشكلة ببساطة كما يمكن استنتاجه من خطابات رؤساء كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم هو عدم الوضوح الذي أحاط بالإنترنت لسنوات طويلة، وعدم وجود إجابات على أسئلة حيوية جدا مثل: من أين سنحصل على العائد من الاستثمار ؟ كيف نحمي صحفنا ومجلاتنا وقنواتنا التلفزيونية والإذاعية من الإنترنت والموبايل ؟ هل نستطيع منافسة شركات التكنولوجيا في بناء وسائل الإعلام الجديد ؟ ..الخ.
هذا الغموض في معرفة الأجوبة ما زال موجودا، والحل يكمن في مصطلح صار يهيمن تقريبا على كل نقاش بهذا الشأن وهو “المرونة الاستراتيجية” (Strategic Flexibility)، أي عدم الالتزام باستراتيجية محددة تماما، وترك الباب مفتوحا للتجربة بقدر الإمكان، إلى أن “تطلع الشمس” ويصبح من الممكن وضع إجابات استراتيجية طويلة المدى لهذه الأسئلة، بحيث تنطلق المؤسسة الإعلامية وهي على هدى من أمرها.
المرونة الاستراتيجية تتطلب أيضا من المؤسسة الإعلامية أن يكون لديها قدر كبير من “التسامح” بشأن بعض الخسائر هنا وهناك، لأن الثمن في حال عدم التجربة والمغامرة هو ربما خسارة كل شيء وضياع القطار الذي انطلق بالجمهور نحو الإعلام الرقمي.
المؤسسات الإعلامية العربية تحتاج للتفكير نفسه، وتحتاج للمرونة نفسها، وتحتاج أن تتساءل إذا ما كان يمكن اللحاق بالقطار فعلا..!