المعركة بين التكنولوجيا والقراءة !

من قسم شؤون إعلامية
الأربعاء 14 يوليو 2010|

هناك جدل عالمي وناضج تسارعت وتيرته هذا العام حول أثر التكنولوجيا _ والإنترنت بشكل خاص _ على القدرات الذهنية للناس بشكل عام، في مقابل أثر قراءة الكتب، والتي نظر لها دائما عبر العقود كمصنع للثقافة والقدرات الذاتية في الغرب.

في أمريكا ظهرت نتائج دراسة ضخمة أحضرت هذا الجدل للأضواء فجأة واحتل الصفحات الأولى من كبار الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمز، وتقول هذه الدراسة التي شارك فيها نصف مليون طفل في المرحلة المتوسطة أن وجود الإنترنت السريع في المنازل واستخدام الإنترنت المكثف له علاقة عكسية واضحة بأداء الطلاب في المدارس، وخاصة في المواد التي تتطلب قدرات ذهنية مثل الرياضيات، بمعنى أنه كلما ارتبط المنزل بالتكنولوجيا بشكل أكبر، كلما قلت قدرات الطلاب الدراسية.

توافقت هذه الدراسة مع ظهور كتاب جاء على قائمة أكثر الكتب مبيعا في أمريكا اسمه “السطحيون” The Shallows للباحث الأمريكي الشهير نيكولاس كار، والذي جمع فيه دراسات ودلالات علمية عديدة وصل من خلالها لأن التكنولوجيا تؤدي لتشتيت هائل للإنسان بحيث تؤدي لضعف قدرته على التركيز طويل المدى، وعلى الاستغراق الذهني في أمر ما.

مع ظهور الدراسة، بدأ مستخدمو التكنولوجيا من الشباب في أمريكا وأوروبا يتحدثون عن مدى حقيقة هذا الأمر معهم، فالإنترنت بروابطه الكثيرة وضغطه النفسي مع الأشياء المتعددة جدا التي يمكن عملها على الشبكة تمنع الإنسان من القدرة على التركيز، وجاء BlackBerry وIPhone وIPad والموبايل عموما ليزيد الطين بلة ويزيد من تشتيت الإنسان أمام أمور كثيرة يمكنه فعلها في نفس الوقت.

بالمقابل، ما زالت الدراسات تظهر والتي تؤكد على دور قراءة الكتب في بناء القدرات الذهنية والعقلية للناس.

كان هناك بحث شهير تم في 27 دولة حول العالم في عام 2007 ونشرت نتائجه بعد عامين بسبب دخول مجموعة من العلماء في تدقيق أساليبه وعلميتها، وأحد نتائج البحث التي تناول أثر الثقافة المنزلية على القدرات الذهنية للأطفال بأن وجود مكتبة في المنزل يزيد عدد كتبها عن 500 كتاب يساهم في نمو ارتباط الطلاب بالمدارس ونجاحهم فيها، وهذا لم يعوض عنه على الإطلاق إقبال هؤلاء الطلاب على استخدام الإنترنت.

دراسة أخرى ظهرت هذا العام ونشر عنها في الصحف الأمريكية ضمن ضجة المقارنة بين التكنولوجيا والقراءة حيث تم إعطاء عدد كبير من الطلاب 12 كتابا مع انتهاء العام الدراسي ليأخذوها معهم للمنزل، ثم تم سؤالهم عن محتوى هذه الكتب بعد انتهاء الصيف ليلاحظ الباحثون وخلال ثلاث أعوام متتالية من إجراء الدراسة أن وجود هذه الكتب في المنزل ساهم في رفع مستوى الطلاب بشكل عام، وتفوق أدائهم أحيانا على زملائهم الذين ذهبوا للمدرسة الصيفية أو الذين يقضون ساعات طويلة على الكمبيوتر.

ملخص كل هذا الكلام، أن هناك الآن حديث جاد عن التأثيرات السلبية للتكنولوجيا، وكأنها بمتطلباتها وخياراتها الكثيرة أصبحت أكثر مما يحتاجه العقل البشري الذي يقتات على التركيز والبناء السليم لمفردات الذاكرة ومنطق التفكير وتحفيز الإبداع، وهذه مفردات تبدو وكأنها تتناقض تماما مع طبيعة الحياة مع التكنولوجيا بفوضويتها وعدم تقديرها للصوت النخبوي والعلمي.

وكما يلمح ديفيد بروكس، أحد الكتاب الأمريكيين ضمن هذا النقاش، فإن الصراع لن يكون في الحقيقة وفي النهاية بين الكتب والتكنولوجيا لأن النتيجة محسومة سلفا لصالح التكنولوجيا، بل للبحث عن طرق وآليات وثقافة تجعل استخدام الإنترنت أكثر تنظيما وأكثر إيجابية وأكثر مساهمة في بناء القدرات الذهنية والعلمية للأطفال والشباب، وكيف يمكن أن تعود ثقافة التفكير المنظم التي تقودها الكتب اليوم لتصبح من سمات التكنولوجيا أيضا.

هذا هو التحدي، وهو تحدي ليس لنا كعرب بالطبع، لأننا لسبب ما لسنا جزء من هذا النقاش أصلا..

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية