النص: المجد المفقود في التلفزيون والفن العربي

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 28 يناير 2008|

“أزمة نصوص” هي عبارة شائعة جدا في أوساط صناعة التلفزيون والسينما والفن العربي بكل أنواعه، وهي تكاد توجد في كل حوار صحفي تقريبا حتى أن حوارا مع فنانة مبتدئة قدمت أغنية واحدة – بلا كلمات تقريبا _ قالت بأنها تعاني من أزمة النصوص.

هذه الأزمة حقيقية لكنها قد تكون أعمق مما يتخيل هؤلاء الذين يتحدثون عنها، فالعالم العربي في الحقيقة شبه خال من أي كتاب محترفين حقيقيين يقدمون النص الفني والتلفزيوني الذي يساهم في نجاح الأعمال العربية، وقد يكون هو العامل الأهم في ضعف التلفزيون والفنون لدينا، وعدم وجود الكتّاب المحترفين لا يعود فقط لعدم وجود مدرسة واحدة في العالم العربي تعلم هذا الفن، بل لأنهم يعاملون باحتقار خاص في أوساط التلفزيون والفن العربي _ باستثناء عدد من كتاب السيناريو المشهورين الذين حفروا مجدهم بأظافر أيديهم _ فيما يسرق المجد عادة الممثل أو الممثلة أو المطرب والملحن و يبقى الكاتب _ وهو ردئ وهاو غالبا _ في الظل لا يعرفه أحد ولا يعنيه أن يبيع نصوصه لاسم مشهور يضع عليها اسمه وينسبها لنفسه !

بالمقابل أصيب قطاع التلفزيون والفن الأمريكي بالشلل الكامل عندما أضرب الكتّاب عن العمل، وذلك لأن الكاتب في أمريكا يمثل الجوهر الذي يعتمد عليه أي عمل ويشمل ذلك أي برنامج تلفزيوني، أو فيلم أو غيره، وهو يمثل عامل النجاح الأهم في صناعة الترفيه الإعلامي الأمريكية.

عندما تشاهد برنامجا كوميديا مثل نشرة أخبار جون ستيوارت أو برنامج جي لينو أو ديفيد ليترمان، قد تظن – واهما _ أن هؤلاء الأشخاص يملكون من الروح الكوميدية العفوية ما تؤهلهم لتقديم برنامج يومي كوميدي ناجح عالميا ويشاهده مئات الملايين من الناس، ولكن الحقيقة أن كل برنامج يقف وراءه فريق من الكتّاب المميزين الذين يكتبون كل نكتة وكل تعليق ساخر يقوله المقدم على أسس احترافية تجعل النص قابل للإضحاك عالميا وقابل لإضحاك الذين يشاهدونه كل ليلة بدون أن يحسوا بالتكرار والملل، وقابل لإشعار الناس بأن البرنامج ليس تهريجا أو تضييع وقت وقابل كذلك لوضع الدهشة على الوجوه من الإبداع الجميل الذي يحصل كل ليلة على منصة البرنامج.

لذلك لما أعلن الكتّاب إضرابهم توقفت هذه البرامج وتوقفت المسلسلات وتوقفت صناعة السينما، بل إن ما لا يعرفه كثير من الناس أن حفل جوائز “جولدن جلوب” السينمائي الشهير، قد ألغي هذا العام لأنه لا يوجد كتّاب يعدون مقدمة الحفل وكلمات الضيوف وقفشاتهم الضاحكة مما يعني صنع حفل في منتهى الفشل والملل، مما جعل المشرفين عليه يفضلون إلغائه هذا العام!!

العمل الفني بأنواعه يحتاج إلى الإبداع العميق، وهذا الإبداع يجب أن يكون قائما على أصول متشابكة ومعقدة وفيها الكثير من الخبرة والأسرار حتى يمكن للعمل أن ينجح عالميا، ومن يجب أن يضع كل هذا الإبداع على ورق ويجهزه للانطلاق هو الكاتب وليس الفنان أو الممثل أو المخرج أو المنتج.

الكاتب هو الذي يعد الخطة ليطبقها الجميع بحذافيرها، مثل المهندس المعماري الذي يعد المخطط البياني الذي يقوم عليه البناء، ولو قلت لك بأن عمال البناء سيجتهدون في خطواتهم على الطريق دون رسم معماري لتوقعت النتيجة في مبنى على الأقل لا يملك الشكل اللائق ولا المقومات السليمة للبقاء.

في كثير من محطات التلفزيون العربية الشهيرة لا يوجد كاتب محترف واحد بل يجتهد المذيع والمعد في تقديم فقرات البرنامج، وإذا كان المذيع مشهورا مشغولا فإنه قد يعد النص على الهواء وهو يقدمه.

في أمريكا وأوروبا هناك طريق طويل جدا يسلكه الكاتب ليصبح كاتبا محترفا، يبدأ في الدراسة المنتظمة والالتحاق بالدورات والارتباط بالكتاب المحترفين والعمل معهم مجانا ثم المشاركة في كتابة حلقة في برنامج أو مسلسل ما وإرسال الحلقة لهم وإذا تم بث الحلقة فعلا تصبح هذه فقرة في سيرته الذاتية لعله يحصل على عمل كمبتدئ ليرتقي تدريجيا في المناصب كلما أثبت قدرته الإبداعية ومهنيته العالية وفهمه لأصول الكتابة الفنية التي تخلق الأعمال والبرامج والمسلسلات والأغاني الناجحة.

في العالم العربي يبدأ الطريق غالبا بألا يجد الشخص عملا ثم يكتشف كتابة السيناريو _ وهذه حقيقة وليست مبالغة _ ثم يجد رواية قديمة أو أجنبية فيترجمها ويضع عليها بهارات تفكير ليلتين أو ثلاث ليقدمها للذين يعانون من أزمة النصوص والذين سيفرحون طبعا بأي نص دون أي معايير تقييم ثم يدفعون له مبلغا ضئيلا يحافظ على بقاء الكاتب الهاو في طبقة الفقراء المحتاجين للكد والكفاح لتحقيق لقمة عيشهم، ثم يتم استثمار الملايين في تحويل هذا النص الردئ إلى مسلسل أو فيلم حيث يعمل المخرج والممثلين ليل نهار على التعديل في النص ليخرج في النهاية بشكل لائق، وهم يصرخون بغضب مشتكين من أزمة النصوص!

كان أعلاه مجرد محاولة لشرح سبب حديث الإعلام المستمر عن إضراب الكتّاب في أمريكا ولماذا سبب هذا الإضراب شللا للإعلام والفن الأمريكي، ولماذا لم يسمع الناس بوجود الكتاب العرب في المقابل.

الإبداع يحتاج لبيئة تؤمن به ومن يصنعونه ويقدمون له حياتهم وفكرهم وحتى ذلك الحين عليكم بالبرامج المترجمة!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية