الأفكار التلفزيونية هي صناعة ضخمة تحقق من خلالها دور الإنتاج المتخصصة في هذا المجال مليارات الدولارات كل عام، وذلك بفضل قدرتها على ابتكار الأفكار المميزة وبيعها لمحطات التلفزيون حول العالم، ولعل أنجح هذه الأفكار من حيث الدخل الذي حققته وعدد النسخ التي تم إنتاجها من البرنامج هو برنامج “من سيربح المليون”.
في المقابل ما زالت الأفكار التلفزيونية في العالم العربي هي مجرد مبادرات فردية تعرض كل يوم على قنوات التلفزيون العربية التي تتجه يوما بعد يوم لشراء الأفكار العالمية لأنها تمثل جواز سفر مضمون نحو النجاح بحكم أن تلك الأفكار العالمية تم تجربتها وبرهان فعاليتها.
كان هذا ملخص مقال سابق حول الأفكار التلفزيونية والذي يهدف لشرح واقع هذه الصناعة التي ما تزال تعتبر منطقة غير واضحة في عالم الإنتاج التلفزيوني.
في كل عام تتجمع شركات أفكار البرامج التلفزيونية في مدينة كان الفرنسية، بالإضافة لآلاف شركات الإنتاج التلفزيوني والوثائقي على اختلاف أنواعها في أكبر سوق للبرامج والمحتوى التلفزيوني، حيث تتم مختلف الصفقات ويتم التنافس بين محطات التلفزيون من كل أنحاء العالم على الفوز بالحقوق الحصرية لإنتاج الأفكار المميزة في دولة ما، بينما تتنافس شركات أفكار البرامج التلفزيونية على تسويق الأفكار الجديدة وإقناع كبرى المحطات بها من خلال عملية تسويقية مبهرة في إبداعها وتعقيدها، تساهم في النهاية في تحقيق ما يبلغ من 2.4 مليار يورو إلى 4 مليارات يورو سنويا.
إن صناعة فكرة تلفزيونية ناجحة بحيث تدر على الشركة التي تملكها ملايين الدولارات كل عام ليس بالأمر السهل فهو يبدأ بالبحث عن تلك الفكرة التي تتوافر فيها شروط عديدة تبدأ من إيجاد الفكرة الجذابة الجديدة التي تحقق نجاحها وجاذبيتها على شاشات التلفزيون، بالإضافة لعدد من عوامل النجاح ومنها:
- أن تكون تكلفة إنتاجها معقولة ضمن حدود الميزانيات التي تتبعها المحطات التلفزيونية وشركات الإنتاج.
- بالإضافة لجاذبيتها للجمهور، يجب أن تكون الفكرة جذابة للمعلنين أيضا الذين يمثلون عصب تمويل البرامج التلفزيونية الجماهيرية.
- أن تكون هذه الفكرة قابلة للنجاح في مختلف دول العالم لأن الأفكار المحلية لن يمكن بيعها إلا لمحطات محدودة العدد الأمر الذي لن يحقق الأرباح المطلوبة.
- أن يمكن دمج التفاعلية مع الفكرة بحكم أن كثيرا من المحطات التلفزيونية تعتمد على التفاعلية عبر رسائل الجوال والاتصالات الهاتفية كوسيلة لتمويل التكاليف المرتفعة للبرامج التلفزيونية.
بعد اختيار الفكرة المناسبة، وهو الأمر الذي يتطلب مهارة وخبرة غير عادية، لأن معرفة ما يجذب الجماهير أمر ليس بالسهل على الإطلاق، تبدأ مجموعة من الخطوات التي تمهد لتحقيق النجاح للفكرة التلفزيونية، ومنها:
- محاولة الاتفاق مع أحد المحطات التلفزيونية لإنتاج الفكرة لأول مرة بسعر منخفض أو مجاني حتى تصبح هي دليل النجاح على الفكرة عند بيعها لمحطات أخرى حول العالم. كثيرا ما تجد أن الفكرة الجديدة قد تم إنتاجها فعلا في بولندا أو التشيك أو غيرها من الأسواق التي تعرف شركات الأفكار أنها أسواق صغيرة ولن تحقق منها أي أرباح في المستقبل على أي حال، ولكنها في النهاية تقدم نموذجا للفكرة عند الرغبة في بيعها للأسواق الأكبر منها حتى تصل في النهاية لبيعها للدول التي تمثل الأكثر ثراء وسخاء: أمريكا واليابان وبريطانيا.
- السعي لبناء دراسات واختبارات حول الفكرة من خلال عرض حلقة نموذجية على فئات مختارة من الجمهور وتحقيق إعجابهم بالفكرة، وهو الأمر الذي يتم عادة من خلال شركات مستقلة وموثوق بها من قبل المحطات التلفزيونية.
لكن التطور المذهل في سوق الأفكار التلفزيونية هو أن هذه الأفكار كانت تقتصر في السابق على البرامج والمسابقات وبرامج تلفزيون الواقع، بينما وصلت خلال العامين الآخرين للدراما.
المعتاد في الدراما العالمية هو بيع البرنامج كما هو وتقوم المحطة المشترية ببث المسلسل أو ترجمته من خلال الدبلجة أو ترجمة العبارات على الشاشة، ولكن التطور الجديد هو أن شركات الإنتاج صارت تبيع السيناريو مع الكثير من توجيهات الإخراج بحيث تكفل إنتاج نسخ “محلية” من المسلسلات التي أثبتت نجاحها عالميا، وبحيث تشاهد نفس المسلسل الأمريكي أو اللاتيني ولكن من خلال ممثلين محليين ومخرج محلي.
أشهر مثال على هذه التجربة هي المسلسل الأمريكي “نساء يائسات” Desperate Housewives، والذي تم إنتاج أربع نسخ محلية منه خارج أمريكا بعد أن أثبت نجاحه جماهيريا داخل أمريكا وفي الدول التي تم عرض النسخة الأمريكية منه.
وللحديث بقية أخيرة الأسبوع القادم..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية