اصرخ فلا يسمع الآخرون سوى صوتك!

من قسم شؤون إعلامية
الثلاثاء 21 أكتوبر 2008|

عندما تدخل على شبكة الإنترنت، “تسمع” الكثير من الأصوات، أصوات جادة وأخرى هزلية، بعضها غاضب والآخر هادئ، رجالية ونسائية، بعضها ذكي وأخرى في منتهى الغباء والحماقة..

الأصوات هنا كما هو واضح هي استعارة لغوية لما يكتبه الأفراد على الإنترنت من خلال المنتديات والمدونات والصفحات الشخصية والمجموعات البريدية وغرف الدردشة وغرف “البالتوك” وغيرها.

في محاولة مني لفهم هذه الأصوات أعددت دراسة علمية نشرت في أحد المجلات العلمية الأوروبية المتخصصة تتحدث عن عدد من المفاهيم ذات العلاقة بما فيها مفهوم أحب أن أقدمه هنا هو “الصراخ الإلكتروني”.

الصراخ الإلكتروني هو عندما يحاول الكاتب على الإنترنت أن يستخدم لغة وأسلوبا في الكتابة بحيث يعلو ما يقوله على ما يكتبه الآخرون، أو بمعنى أصح إحداث ضجة ضخمة للفت الأنظار، مع التأكيد على محاولة إلغاء الأصوات الأخرى من خلال زيادة حدة الصوت وطبقته.

أدخل إلى المنتديات، تجد دائما أولئك الذين يصرخون، ربما لأنهم في كثير من الأحيان يشكون في قدرتهم على الإقناع، فيضطرون لاستخدام تكتيكات وأساليب عاطفية ونفسية تجعل القارئ محصورا في دائرتهم، منشغلا عن الاستماع للأصوات الخافتة الأخرى.

وقد ينشأ الصراخ الإلكتروني بطريقة أخرى وهي من خلال زيادة عدد المشاركات وتنظيمها ودعم بعضها البعض حتى يظن القارئ أن هذا رأي الأغلبية وأن هذا هو المنطق والصحيح بحكم أن عددا كبيرا من الناس ذوي الهويات المستعارة يقولون به بلا شك أو تردد، مما يشغله عن الأصوات الخافتة الأخرى التي تأتي وهي تقول “ربما” و”علينا أن نفكر” و”بعض الناس” دون أن تجد من يوافقها في الرأي أو حتى يستمع لها.

ولأن البعض يمارس الصراخ الإلكتروني من خلال العبارات القوية والتدفق الكثيف والجزم الحاد في الآراء، يضطر الآخرون لأن يفعلوا الشيء نفسه ليلفتوا الأنظار لهم، ويتحول المنتدى تدريجيا إلى أصوات مرتفعة تحارب بعضها البعض، بينما أكثر الأصوات خفوتا هو صوت العقل الذي وضع جانبا لأجل كسب معركة الصراخ.

المؤلم في ظاهرة الصراخ الإلكتروني أنها تعطي صورة وهمية عن الإنترنت، فبسبب التدفق الكثيف والمنظم لهذه الأصوات أو الكتابات، وبسبب ارتفاع نغمة الصوت فيها، فهي توحي للقارئ وكأنها تمثل المجموع الأكبر من مستخدمي الإنترنت، بينما في الحقيقة هي الأعلى صوتا ليس إلا.

على صناع القرار ألا يصم الصراخ آذانهم وأن يبحثوا عن الهمس على شبكة الإنترنت، فقد يمثل الأغلبية ونحن لا ندري !

* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية