واحد من خصائص مواقع الإنترنت الكبرى هو “الحيادية”، وأنا لا أقصد هنا الحيادية الفكرية وإنما حيادية الموقع تجاه المشاركين في بناء محتواه من خلال “الأتمتة” الكاملة الخالية من التدخل البشري في تصنيف المعلومات وتقديمها للجمهور.
لشرح الجملة أعلاه، تجد أن موقع “جوجل” مثلا يقدم لك نتائج البحث بناء على قواعد منطقية برمجية بدون تدخل بشري، وهذه القواعد صممت لتحاول تقديم النتائج بأفضل شكل مناسب للجمهور.
موقع “فيسبوك” يقدم لك أسماء المجموعات والمناسبات وغيرها مرتبة بطريقة تلقائية بناء على قواعد برمجية معينة _ وهذا ما يسمى بالأتمتة _ بعيدا تماما عن نوع المحتوى المنشور، والأمر نفسه مطبق في معظم المواقع العالمية الكبرى ومنها “يوتيوب”.
لكن الأمر في “يوتيوب” له إيحاءات ضخمة لأنه يعني ببساطة أن المحتوى المقدم من جهة عالمية أو جهة رسمية قد يخسر المعركة الإلكترونية “الحيادية” مع المحتوى الذي يتم عمله من خلال شخص عادي يستطيع أن يصل إلى إعجاب الجمهور ويلقى رضاهم.
بل إن الأمر أكبر من ذلك، لقد قامت “يوتيوب” بتأسيس نظام إعلاني مع “جوجل”، بحيث أن الإعلانات توزع بشكل أتوماتيكي على محتويات الموقع، وبحيث يحصل صاحب الفيديو على نسبة من الإعلانات حسب عدد مرات المشاهدة للإعلانات، مما يعني ببساطة أن الفيديو الذي يشاهد أكثر سيحصل على مال أكثر أيا كان منتجه وطبيعة المحتوى.
في الحقيقة يوجد الآن مجموعة كبيرة من الناس الذين “تفرغوا” تماما لإنتاج فيديوهات لـ”يوتيوب” والحصول على المال منها.
من هؤلاء مايكل بكلي، موقعه على الإنترنت: www.buckhollywood.com، والذي كتبت نيويورك تايمز عنه مقالا مطولا تشرح تجربته، حيث ترك عمله في شركة للإنتاج الموسيقي وصار ينتج نشرة أخبار ساخرة أسبوعية ويضعها على “يوتيوب”، ويحقق من وراءها ملايين الزيارات والكثير من المال الذي يزاد عن راتبه وخلصه من ديونه كما يقول، أكثر من 100 ألف دولار.
تجربة بكلي، مهمة لأنه حاول تقديم برنامجه من خلال محطات التلفزيون ولم يلق القبول اللازم، وبعد أن نجح على “يوتيوب” وقع عقدا ضخما مع أحد كبرى المحطات في أمريكا لإنتاج برنامجه تلفزيونيا، وهناك المئات مثله الذين يحاولون استخدام “يوتيوب” لإثبات تميز أفكارهم التلفزيونية.
شخص آخر اسمه كوري ويليامز، له تجربة مختلفة، فهو يحقق حوالي 20 ألف دولار شهريا من “يوتيوب” ولكنه يحقق مبلغا مماثلا من الرعاية والإعلانات للمنتجات داخل الفيديو نفسه والذي يتم من خلال عقود منفصلة.
من يحتاج محطات التلفزيون إذا كان لديه يوتيوب ليحقق المال؟
* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية