ليس غريبا أن يجتمع عدد كبير من الباحثين والمسؤولين الحكوميين والإعلاميين في أحد أشهر مراكز المؤتمرات في العاصمة الأمريكية واشنطن لمناقشة شؤون الشرق الأوسط، فالعالم العربي صار محل أضواء المتخصصين الأمريكيين منذ عام 1967، ولكن الغريب في المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي كان اهتمامه الخاص بما يكتبه العرب على الإنترنت في المنتديات والمدونات، وكيف غير الإنترنت العالم العربي.
وربما كان أكثر ما يجذب الغربيين لفهم ما يحصل في العالم العربي على هذا الصعيد القصص التي تبثها وكالات الأنباء بشكل مستمر عن “المدونين” الذين يعتقلون أو يلاحقون في عدد من الدول العربية، وعن ذلك المدون الذي حكم عليه بالسجن في مصر بسبب الإساءة للإسلام، أو ذلك المدون الذي نشر مقطع فيديو عن اضطهاد اثنين من رجال الشرطة في مصر لسائق باص مسكين بشكل يتجاوز أي حدود إنسانية، الأمر الذي أدى للقبض على رجال الشرطة والحكم عليهم.
عالم التدوين الذي دخل العالم العربي قبل حوالي ثلاثة أعوام تقريبا فتح نوافذ غير معهودة في السابق، فشخص عادي يجلس في بيته ولا ينتمي للمؤسسة الإعلامية ولم يحصل على ترخيص رسمي، ولكنه في نفس الوقت يقوم من خلال مدونته على الإنترنت بنشر الأخبار وتجاوز كل الخطوط الحمراء والكتابة كيفما يتفق له، وذلك دون أن يكون عليه كشف هويته لأحد.
لقد تغير العالم من حولنا بسبب الإنترنت، وأدى انتشار المعلومات بهذا الشكل لتغييرات جذرية في البناء العربي الإعلامي والاجتماعي والسياسي، وصار رجل الشارع بسبب التكنولوجيا شريكا أساسيا في الحوار السياسي والديني والاجتماعي، ولم يعد من الممكن أبدا التحكم فيما يقال وما لا يقال.
لقد شعر الأمريكيون الذين اجتمعوا الأسبوع الماضي أن هذا أمر يستحق الدراسة والفهم والتحليل.
كانت أحد أوراق العمل ملخص لرسالة ماجستير لإعلامية أمريكية حول أسرار نجومية عمرو خالد وسامي يوسف، في العالم العربي، بينما ناقشت ورقة أخرى ظواهر الإعلام التفاعلي على الإنترنت في الشرق الأوشط، وتم التركيز في ورقة ثالثة على المدونات العربية وكيف يمكنها التأثير في الواقع العربي على مختلف المستويات.
المؤتمر الذي كان يحاول فهم ظواهر الإعلام المتفاعل مع عموم الجمهور العربي ناقش أيضا البيئة الإعلامية العربية من خلال دراسة مكثفة لبرامج الواقع التلفزيونية وأسرار شعبيتها والدروس المرتبطة بها، وتناول إعلامي أمريكي مخضرم في ورقته تحليلا للإعلام الأجنبي القادم من الغرب إلى العالم العربي باللغة العربية، فيما ناقش أحد الباحثين ظاهرة “لبننة” الإعلام في لبنان مع الانتماء الأيديولوجي والحزبي الواضح للإعلام اللبناني ومشاركته في المعركة الدائرة هناك.
الجمهور كان يتراوح بين الباحثين والإعلاميين والمسؤولين الحكومين _ بحكم أن المؤتمر عقد في واشنطن _ وحضر عدد من السفراء المهتمين بالعالم العربي، وكان كذلك بين الجمهور رئيس وحدة متخصصة في وزارة الخارجية الأمريكية تقوم بالمشاركة في المنتديات والتعليقات في المواقع العربية لشرح وجهة النظر الأمريكية والدفاع عنها!
في المؤتمر قدمت ورقة عمل تتضمن تحليلا لما يقوله الناس على الإنترنت في العالم العربي، وتناولت ظاهرة “الصراخ الإلكتروني” التي قدمتها عبر مقال سابق في “الاقتصادية”، وكان هذا التحليل قد نشر على شكل مقال علمي في مجلة غربية متخصصة، ودعيت على أساسه لأشرح محتواه لجمهور المؤتمر.
هذا الاهتمام العميق بجزئيات المشهد العربي على الإنترنت ينسجم مع حقيقة أن الإنترنت صار جزءا مؤثرا في حياة العرب اليوم.
الإنترنت سمح للناس بمساحات هائلة للتعبير، وفي المقابل كشف عوراتنا وتركنا في الهواء الطلق ولم تعد تنفع الستر والحجب التي استفدنا منها لعقود طويلة من الزمن في العالم العربي لأن العالم صار من الانفتاح بأن ما يردده شخص في مجلس صغير في قرية عربية قد يصبح حديث الناس إذا التقطه مراسل إعلامي أو صوره شخص ما ليضعه على موقع “يوتيوب” أو كتب عنه شخص في أحد المنتديات.
الكثيرون من المفكرين والمثقفين العرب يؤكدون على الحاجة لفهم الإنسان العربي وكيف يفكر وكيف يحلم وكيف يحب ويكره، والإنترنت خير وسيلة للنظر بعمق في ما يقوله الإنسان العربي ومحاولة تفكيك الشفرات من بين آلاف الرسائل التي يرسلها العرب عن أنفسهم كل يوم، والذي أرغب في تسميته بالشارع الإلكتروني العربي، حيث أصبح الإنترنت اليوم كتاب العرب المفتوح “بدلا من الشعر”.
الأمريكيون يحاولون فهم التغيرات الضخمة التي نعيشها، ونحن أولى بفعل ذلك!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية