تمثل الانتخابات الأمريكية المختبر الذي تتطور من خلاله كل سنتين أساليب صناعة النجوم وكسب الجماهير، وذلك ببساطة لأنها مثلت عبر العقود أضخم عملية من ناحية الإنفاق المالي والجهد البشري لصناعة نجم يجمع بين المصداقية والجاذبية لمختلف الفئات والتفوق على الآخرين، وذلك في فترة لا تزيد عن العام الواحد في معظم الأحوال.
لهذا كله يحرص أولئك الذين تورطوا في مجال “تسويق الشخصيات” وفن العلاقات العامة أو حتى أولئك الذين يعملون في مجال الحملات الإعلانية بشكل عام على مراقبة الانتخابات الأمريكية لأنها تمثل مصنعا للأفكار الجديدة الخلاقة في هذه المجالات، الأمر الذي يجعلها تنتشر سريعا في كل أنحاء العالم بعد موسم الانتخابات مباشرة.
ولعل ما يزيد جاذبية الاهتمام بأفكار الحملات الانتخابية هي الآلة الأكاديمية البحثية العملاقة التي تتحرك بدأب عجيب خلال كل حملة انتخابية تدرس من خلالها تلك الأفكار وتقيمها بأساليب علمية تطورت بذكاء مدهش منذ الأربعينات الميلادية، وشكلت تراثا لا يقيم بثمن في هذا المجال، فعلى سبيل المثال هناك آلاف الدراسات العلمية التي تقيم الكيفية المثلى للرد على هجوم سلبي شنه مرشح منافس وذلك كله ضمن إطار الانتخابات الأمريكية، ولكنها دراسات ثمينة يمكن الاستفادة منها دائما وخاصة أنه لا يمكن إيجادها بهذه الكثافة والتطور خارج إطار الانتخابات الأمريكية.
الانتخابات الأمريكية تكلف في كل عامين ما يزيد عن 400 مليار دولار أمريكي، وهو مبلغ لا ينفق في أي حملة أخرى في العالم، وهذا هو السبب الرئيسي في كونها في ذورة النمو والتطور الإنساني في هذا المجال.
أحد الملاحظات الأساسية على الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة هي الاهتمام بالإنترنت في تسويق المرشحين الانتخابيين.
كان أول من اهتم بالإنترنت هو بيل كلينتون، في عام 1992، حين أسس غرفة دردشة بدائية للحديث عن قضايا حملته الانتخابية، ثم تطورت الأمور بعدها بسرعة لنجد في هذا العام مواقع في منتهى التميز للمرشحين الرئاسيين ومرشحي الكونجرس، استخدام غير مسبوق لنشرات البريد الإلكتروني، واستخدام مكثف للمنتديات على أنواعها، ناهيك عن وجود مدونة لكل مرشح بلا استثناء يكتب فيها مذكراته اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك محاولة لبث لقطات ضاحكة وخفيفة دم للمرشحين الرئاسيين على موقع “يوتيوب”، وذلك حتى تشاهد من عدد كبير من الناس، وهناك جهود كبيرة لخلق مجموعات للنقاش على موقع “فيسبوك” وموقع MySpace، الشهيرين من ناحية الشبكات الاجتماعية، وهناك أيضا محاولات لفتح كل طرق التواصل الممكنة من خلال الإنترنت مع جماهير المنتخبين.
توجد أسباب كثيرة تجعل الإنترنت جذابا لمستشاري الحملات الانتخابية، فهو أقل تكلفة من التلفزيون، يعطي مصداقية أعلى للمرشح، رسالته مباشرة للجماهير، كما أنه يساعد في التحدث للجمهور الأصغر سنا الذي لا يميل عادة لحضور المناسبات الخطابية للمرشحين.
وفي هذه الأيام يناقش الأكاديميون ومستشاروا الحملات الانتخابية والإعلاميون كثيرا من القضايا ذات العلاقة بـ “الحملات الرقمية” Digital campaigns، كمصطلح يطلق على استخدام الإنترنت في الحملات الانتخابية، منها مثلا:
- ما هو نوع الفيديو الذي يمكن بثه على موقع “يوتيوب”، ويحقق الجاذبية الضخمة وفي نفس الوقت لا يسيء للمرشح وهيبته الجماهيرية كزعيم مقبل لأقوى دولة في العالم؟
- ما الحل مع الحملات المضادة على مواقع المرشحين، حيث يأتي فريق المرشح الآخر ويستخدم منتدى مرشح ما في الهجوم السلبي عليه؟ هل تحذف هذه المشاركات السلبية لأنها تؤثر على صورة المرشح أو تترك لإثبات إيمانه بالتعددية وحرية التعبير؟
- ما هو التصميم والمحتوى الأفضل الذي يحافظ على المتصفح لأطول فترة ممكنة ضمن الموقع وينتهي به محبا وداعما للمرشح؟
- كيف يمكن توجيه رسائل انتخابية عديدة جدا للجمهور دون أن يشعر الجمهور بأن المرشح يقتحم حياتهم ويضايقهم في وقتهم الخاص على الإنترنت؟
الأسئلة أعلاه هي مجرد أمثلة فقط لعشرات الأسئلة المطروحة اليوم، وسيكون من الممتع مراقبة النقاش ثم النتيجة النهائية بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية ونشر الأبحاث والدراسات حولها.
لقد تحول الإنترنت وملحقاته، لأسلوب فعال وذكي وغير مكلف لصناعة النجوم والشخصيات والمشاهير، وهناك في الحقيقة عدد من النجوم العرب الأذكياء “في مجالات مختلفة” الذين استفادوا من الإنترنت في هذا المجال كما هو معروف.
هل تريد أن تصبح نجما؟ عليك بالتكنولوجيا والمنتديات والمدونات والشبكات الاجتماعية، ولكن حافظ على المباشرة والمصداقية والشخصية المثيرة في آن واحد.
الإنترنت سيصنع نجوم المستقبل!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية