عندما تعيش الحب عميقا، ترى العالم كله يتمحور حول الحب. الحب يمنحنا أغلى عواطفنا ويتسلل إلى مناطق دفينة في القلب والعقل فيحركها ويعيد بناء رؤيتنا للأشياء.
هناك مئات النظريات العلمية والكتابات الأدبية والفلسفية التي حاولت فهم الحب، وقد تناولت في مقال سابق “النظرية الثلاثية في الحب” التي تقسم الحب إلى ثمانية أنواع بناء على “العلاقة الحميمة” و”العاطفة المتوقدة” والالتزام.
لكن هذه النظرية عامة تتحدث عن كل أنواع العلاقات الاجتماعية، وليس ما يفهمه الناس والشعراء على أنه “حب” كما أنها لا تضع في الاعتبار التنوع الكبير في عواطف الناس، ولذا سأتناول اليوم نظرية أخرى مميزة هي نظرية “ألوان الحب” أطلقها عالم نفس أمريكي شهير اسمه جون لي، في السبعينات الميلادية.
الحب حسب هذه النظرية هو حالة معينة من بين ست حالات يتجسدها الإنسان في علاقته وتضع كل تصرفاته في إطار معين، وقد يختلف الموقف النفسي للرجل والمرأة في العلاقة نفسها وفي كل مرة يختلف نوع علاقة الحب “أو لونها” جملة وتفصيلا.
هذه الحالات الستة هي:
- الحالة أو اللون الأول هو “الحب الرومانسي”، والحب هنا يعتمد على الإعجاب السريع بالطرف الآخر والقائم على تقييم الجمال وعلى الارتياح النفسي و”الحب من أول نظرة”.
يعيش المحب في هذه الحالة في وضع فيه الكثير من الخيال عن الطرف الآخر، وبينما يمنحه هذا شعورا رائعا فإن مشكلته عندما يتطور إلى الزواج ويطول الزمن أن الإنسان قد يصحو من خيالاته ويكتشف عكس الصورة التي كان يحملها على المحبوب، ولذا ينظر الناس عادة إلى المحب الرومانسي على أنه غير عملي أو غير واقعي.
- الحالة الثانية هي حالة “المغامرة”، في هذه الحالة يبحث المحب عن العلاقة العاطفية كجزء من لعبة كبيرة في حياته حيث يسعى دائما للانتقال من علاقة إلى أخرى باحثا عن الكم أكثر من الكيف.
هذا النوع من المحبين يجد علاقاته ضمن مغامراته وسرعان ما يتعافى من انتهاء علاقة لينتقل إلى علاقة أخرى باحثا عن تحد جديد في حياته.
بالنسبة لهؤلاء، الزواج هو مجرد فرصة للإنجاب وإلا فهم يهربون منه عادة وإذا وقعوا فيه كانوا كثيري الخيانة الزوجية.
- الحالة الثالثة هي حالة “الصداقة التي تتطور إلى حب”، حيث تبدأ العلاقة على شكل صداقة تتطور تدريجيا إلى علاقة حب غالبا ما تكون متينة جدا، حيث يرى المحب الطرف الآخر في العلاقة والزواج كأعز الأصدقاء.
الانجذاب الجسدي يكون عادة أقل أهمية في هذه الحالة مقارنة بالاهتمام بالانسجام الكامل بين الطرفين.
- الحالة الرابعة هي حالة “الحب العملي” حيث يفكر المحب بشكل عقلاني وعملي عن الصفات التي يبحث عنها في المحبوب لأنه يريد “ميزات قيمة” في اختياره بناء على المقارنة مع الأشخاص الآخرين.
أثناء العلاقة بين الاثنين، هناك تقييم دائما لما يحصل عليه وما يكلفه ذلك، ويأتي الزواج والإنجاب جزءا من هذا الحساب.
ميزة هذه الحالة هي كونها عملية جدا، وعيبها أنها تفتقد عادة عاطفة الحب الجياشة.
- الحالة الخامسة هي حالة “الحب الجنوني”، وفي هذه الحالة يكون المحب ضعيف الثقة بالنفس، ويرى نفسه في “حاجة” إلى المحبوب، ويحاول امتلاك المحبوب، ويكون شديد الغيرة، ويرى الإنجاب كنوع من زيادة الارتباط أو حتى بديلا عن المحبوب، وإن كانت ميزة هذا النوع من الحب هو اشتداد قوة العلاقة لفترة طويلة.
- الحالة السادسة هي حالة “الحب الروحاني”، كما تسميه النظرية، حيث يتحول الحب إلى حالة خاصة لدى الإنسان، حيث يرى الحب منحة حصلت له، ويتمنى أن يمنح محبوبه كل العناية الممكنة.
يمنح هؤلاء المحبون حبهم كرما لا محدودا وغير مشروط، ولكنهم مع الزمن قد يشعرون في كثير من الحالات أن المحبوب قد استغلهم لصالحه، ويترك هذا آثارا سلبية حادة.
لكن نظرية ألوان الحب لا تقول أنها فقط ستة ألوان، بل إن لكل حالة من الحالات درجات متعددة، ولذا فلو كان لدينا خمس درجات لكل حالة، فهذا يعني أن لدينا 30 لونا للحب (6X5)، وإذا كان لون الحب عند الرجل مختلفا عن المرأة فهذا يعني أن لدينا 900 (30X30) شكلا من أشكلا علاقات الحب.
هذه الحسبة الرياضية السهلة تشرح لماذا يكون الحب معقدا، ولماذا يصعب على الناس فك أسراره، فهذه الكلمة المكونة من حرفين فقط تطلق على 900 عاطفة مختلفة عن بعضها البعض، وبالتالي فلا يمكن وضع نفس القواعد والقوانين لتشمل كل هذه الألوان المختلفة من الحب.
الحب أيضا قد يكون سلسا جدا إذا كنت صادقا مع نفسك ومع الآخرين وتصرفت على سجيتك وكنت إنسان عطاء يمنح الآخرين بكرم روحه ونفسه وابتسامته ورقراق قلبه الصافي.
الحياة جميلة لولا العقد النفسية والقلوب القاسية والأطماع البشرية والأسئلة الصعبة!!
* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية