2007: عام الإعلام الاجتماعي الجديد

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 31 ديسمبر 2007|

قبل سنة من الآن فاجأت مجلة “تايم” الأمريكية الشهيرة جمهورها باختيارها لـ”أنت YOU” كشخصية عام 2006، على أساس أن كل شيء في العالم يتجه نحو ما يسمى بـ”التشخيصية” Personalization، أي إعطاءها البعد الشخصي الخاص بالمستخدم، حيث سمحت التكنولوجيا للشركات أن تمنح الناس القدرة على عمل خيارات كثيرة تعكس أذواقهم ورغباتهم واحتياجاتهم في كل شيء يعملونه بما في ذلك استهلاك المادة الإعلامية واستخدام الإنترنت والجوال وحتى السياسيين وصناع القرار صاروا يفهمون أكثر قيمة الفرد ويتجهون إليه بذكاء أعلى لإقناعه بقراراتهم السياسية والاقتصادية.

في عام 2007 حصلت عدد من التغيرات السريعة التي أكدت أن ما يسمى بـ”الإعلام الاجتماعي” Social Media، والمتمركز حول الفرد من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية يتمدد بسرعة ليأخذ مساحة واسعة في حياتنا اليوم.

أشهر مواقع الإعلام الاجتماعي موقع Facebook وموقع MySpace وموقع YouTube، وغيرها من مئات المواقع التي تستخدم نفس الأفكار في اتجاهات متخصصة، فهناك مواقع خاصة بالربط بين الباحثين عن أعمال وأصحاب الأعمال، ومواقع للتواصل بين الأصدقاء حول الكتب وغيرها من المواقع التي تحدثت عنها في مقالات سابقة.

ليس هذا فحسب، ففي هذا العام انتقلت الشبكات الاجتماعية إلى جهاز الموبايل وبدأت تنمو بسرعة خرافية، بحيث سيتحول الموبايل خلال العالم القادم _ ولا شك _ إلى جهاز يربطك بكل مجموعات الأصدقاء من خلال هذه الشبكات.

لكن الخطير في هذه التحولات لهذا العام ليس نمو مواقع الإنترنت بل كونها بدأت تغير جذريا في مفهوم الإعلام الكلاسيكي نفسه، فبينما كانت وما زالت الرسالة الإعلامية متوجهة من “مرسل مؤسساتي” إلى “الجمهور” صارت تتوجه من الجمهور إلى الجمهور، في اتجاه يهدد أصل الصناعة الإعلامية بالخطر.

في عام 2007 تحول كثير منا وبشكل تلقائي إلى مرسلين جماهيرين، وهناك من فعل ذلك في أعوام سابقة، وبقيت مجموعات بسيطة ستتحول خلال الأعوام القادمة، ولا أستغرب إذا صار الناس يحصلون على معلوماتهم من بعضهم بدلا من وسائل الإعلام بمجرد أن تجد مواقع الشبكات الاجتماعية والمنتديات وسيلة لتوثيق مصداقية هذه المعلومات المتبادلة بين الجمهور.

للتوضيح أكثر؛ إذا استطاع موقع مثل YouTube إيجاد وسيلة تكنولوجية تلقائية توثق المعلومات المطروحة في الفيديوهات المنشورة عليه فإنه سيتحول مباشرة لدى قطاع لا بأس به من الجمهور إلى مصدر إعلامي أساسي بدلا من وسائل الإعلام الكلاسيكية، وهذا أمر ليس بالصعب على الإطلاق إذا وجدت الجهود الملائمة له.

إن نمو “الإعلام الاجتماعي” سمح بالعودة الهائلة لمصطلح “صحافة المواطن” وهو مصطلح نمى خلال العقد الماضي للدلالة على محاولة جعل صوت الشخص العادي جزءا من معطيات الوسيلة الإعلامية، والآن صارت صحافة المواطن جاهزة للسيطرة على الساحة، وربما كان على وسائل الإعلام وعلى المعلنين قريبا جدا أن يبحثوا عن المواطن الذي يسمح لهم بالوصول من خلاله إلى الشبكات الاجتماعية التي يشترك فيها.

انتهى عام 2007 بانضمام حوالي 100 مليون شخص إلى شبكات الإنترنت الاجتماعية، ولو نظرت للرقم لأدركت أن هناك هجرة جماعية إلى مواقع تركز على العلاقات الشخصية والاهتمامات المتخصصة جدا وتخلق مجتمعا إلكترونيا لم يكن يخطر ببالنا قبل عامين من الآن.

في عام 2008 سيتغير العالم أكثر، وسيكون للإنترنت والموبايل شأن أكبر، وستأتي التكنولوجيا لتحكم العالم وتحدد مسار حياتنا المستقبلية، وستصبح الرسالة الفردية قابلة للانتشار والتأثير بشكل أوسع بكثير، وسيحكم كل من يتجاهل هذه التغيرات على نفسه بالنهاية في عصر سحيق القدم.

ما يقلقني في كل هذه التغيرات أن “الإنسان” الذي يفترض أن تخدمه التكنولوجيا صار تابعا لها، وصار كل تغيير تكنولوجي يغير العالم بينما الإنسان يحاول اللحاق بالركب، وما يقلقني أكثر أن هذه التغيرات صارت تصل للعالم العربي بشكل يجعله مستهلك لمعطيات القرية العالمية الصغيرة بعيدا عن قضاياه وهمومه الأساسية.

من ناحية أخرى، هذه التغيرات تحمل في ثناياها الكثير من الأمل، ولو أردت أن تعرف الأمل بماذا فاقرأ السطور أعلاه مرة أخرى..

“أنت” سيد العالم الجديد!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية