كل الناس يمكن أن يتأثروا بالإعلام.. إلا أنا!

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 22 أكتوبر 2007|

هناك نظرية علمية شهيرة تقول بأن الناس يميلون عادة للاعتقاد بأن الآثار السلبية للإعلام والتلفزيون والظواهر الاجتماعية عموما تترك تأثيرها على الآخرين بينما هم لا يتأثرون بها.

بكلمات أخرى، يتحدث الناس عن الآثار السلبية بأنواعها، ولديهم شعور داخلي أن هذا لا يشملهم بل يشمل الآخرين من حولهم فقط.

هذه النظرية تفسر بشكل جميل العديد من السلوكيات التي يمكن ملاحظتها بسهولة في المجتمع العربي، ورغم أنني لا أعرف أن النظرية قد تم بحثها في العالم العربي، رغم أن هناك مئات الدراسات عليها في أمريكا وأوروبا، إلا أن من الواضح أن العرب لا يختلفون عن غيرهم في هذا الأمر، فالناس يميلون لمشاهدة التلفزيون بكثافة بينما هم في نفس الوقت يؤكدون على الآثار السلبية لهذا الأمر، وتجد الأب في الأسرة يسمح لنفسه بمشاهدة برنامج ما، بينما يمنع أسرته من ذلك لاعتقاده بآثاره السلبية.

ويبدو لي أن فهم هذه النظرية مهم جدا لنا، لأن هذه النظرية والتي تدعى بنظرية “أثر الرجل الثالث” Third-Person Effect، تشرح لنا لماذا يبالغ الناس بشكل غير عادي في مجتمعاتنا في الحديث عن الآثار السلبية وسيئات الإعلام أو غيره من الظواهر، رغم أنهم يشاركون كل يوم في استهلاك وسائل الإعلام نفسها، فتجد شخصا يتحدث بالتفصيل _ الذي يدل على استهلاكه اليومي _ عن “مصائب” الفيديو الكليب، وتجد آخرا يتحدث عن “الفساد” في المسلسل اليومي الذي هو شخصيا يتابعه.

الأبحاث العلمية توضح أن الأشخاص الذي يقعون تحت “أثر الرجل الثالث” يميلون للمطالبة بالرقابة على الإعلام، وهذا يفسر بوضوح كيف أن المجتمع العربي، والذي يحتاج حاجة ماسة لأسباب عديدة لأقصى حد ممكن من حرية التعبير، كيف أن هذا المجتمع يهاجم ويطالب بالرقابة والقيود على القنوات التلفزيونية التي يشاهدها كل يوم بكثافة غير عادية كذلك.

بل إن أكثر ما يواجهه الإعلامي في عالمنا العربي أنه عندما يفتح الإعلام الملفات الساخنة والجريئة مثل الاغتصاب أو زنا المحارم أو الثقافة الجنسية، وهي مهمة بالتأكيد، يأتي صوت الفرد العربي الذي بقدر ما هو موافق على أهمية هذه القضايا إلا أنه يرى عدم طرحها لأنها ستفتح عيون “الآخرين” في المجتمع على ما لا ينبغي لهم أن يعرفونه.

الأشخاص الذين يقعون تحت هذا الأثر أيضا يميلون للمبالغة في تقدير الآثار السلبية، وهو واضح في الخطاب العربي اليومي، فهم يعتقدون فعلا أن برنامج تلفزيوني معين سيجعل “شباب الأمة” في منحدر عميق، وهم بذلك يقللون من قيمة عوامل المناعة الذاتية لدى المشاهد والمرتبطة بالتربية والثقافة والقيم العامة.

لهذا السبب، فإن انتشار هذه الطريقة من التفكير في المجتمع يوجد ميلا اجتماعيا واسعا للضغط على أنظمة التعليم الجامعي لتجنب الحديث عن قضايا كثيرة اعتقادا بأنهم بذلك يحمون الشباب من القضايا التي ينبغي ألا يتعرضوا لها ويتأثروا بها.

ورغم أن الأبحاث ركزت في نسبة عالية منها على التلفزيون لأن الباحث الأصلي الذي جاء بهذه النظرية في عام 1983 واسمه فيليبس ديفيسون، ركز على التلفاز، إلا أن دراسات أخرى وضحت أن هذا يمتد لمختلف الظواهر الاجتماعية بما في ذلك بيئة العمل والعلاقات الشخصية وغيرها، فالناس مثلا في عالمنا العربي قد يعتقدون أن قوانين الحريات ستنشر الفساد في المجتمع، ولكنهم هم أول من يحاول الاستمتاع بهذه الحرية لأنهم لا يرون أنفسهم جزءا من ذلك.

الطريف أن أحد الدراسات وجدت أن النساء يقعن عادة تحت هذا التأثير أكثر من الرجال، وكان هذا واضحا في دراسة طبقت على المواد الجنسية على شبكة الإنترنت.

ما هو تفسير هذه الحالة عموما؟

هناك تفسيرات كثيرة، ولكن الأقرب منها والأكثر انتشارا في الدراسات العلمية المعنية بهذه النظرية هي أن الإنسان يملك عن نفسه صورة ذهنية إيجابية، وتقوى الصورة عندما يقارن نفسه بالآخرين، وهو بالمقابل يميل عادة لأن يمتلك صورة ذهنية سلبية عن الآخرين بما في ذلك أفراد أسرته.

أحد الكتاب الذين ناقشوا الموضوع استخدم عنوانا جميلا سرى بعد ذلك في الكتابات التي تتناول هذه النظرية لاحقا حين سمى أولئك الذين يحملون هذا الشعور بأن حديثهم دائما ينصب على “مصلحة الآخرين” For the good of others، بينما هم يعتقدون جازمين بأنهم خارج إطار اعتبارات المصلحة العامة وسد الذرائع وتجنب الشر لأنهم يشعرون بحصانتهم الذاتية نحو ذلك.

استمع إلى حديث نفسك، فمن المحتمل أنك في كثير من الأحيان ترى أن الآخرين هم الضحايا، والإعلام هو الجاني، وأنت خارج إطار التأثير!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية