يقف العالم على أبواب تغير واسع مع انتشار أفلام الهواة القصيرة التي يتم التقاطها عبر كاميرا الجوال أو عبر الكاميرا الرقمية ويتم تداولها عبر مواقع الإنترنت المتخصصة مثل “يوتيوب” أو عبر البلوتوث أو غيرها.
في الأسبوع الماضي تحدثت عن ملامح هذا التغير ولمساته في العالم العربي، وأشرت إلى دهشة الخبراء من قرار شركة Google شراء موقع “يوتيوب” بمبلغ 1,65 مليار دولار، لكن هذا القرار الذي تصدر الأخبار حول العالم كان له مبرر تجاري منطقي ولم يكن جزءا من “فقاعة الإنترنت” التي انتفخت في أواخر التسعينات الميلادية.
قبل حوالي شهرين خرج أحد أشهر خبراء الإعلان في العالم ليقول بأن الإعلان التلفزيوني سيعاني أزمة خلال السنوات الخمس القادمة لأن “الإعلام الجديد” غير الكلاسيكي سيستحوذ على نسبة لا تقل عن 40% من كعكة الإعلان التلفزيوني، الأمر الذي اعتبرته الكثير من الشركات التلفزيونية مؤشر خطر عن منافس جديد لا يكلف الكثير، مقارنة بتكلفة الإنتاج التلفزيوني، ولكنه بالمقابل مغري جدا من الناحية الإعلانية.
أحد المحطات التلفزيونية الكبرى في البرازيل تعلمت الدرس مبكرا وقامت بتأسيس موقع ضخم للفيديوهات المشابهة لفيديوهات “يوتيوب”، وقامت بدعم الموقع من خلال برامج تنشر بعض هذه الفيديوهات وتعلق عليها وتشجع الجمهور على استخدام جوالاتهم وإرسال لقطات على الهواء لبثها مباشرة على القناة التلفزيونية.
النتيجة كانت مذهلة، ليس فقط من ناحية جذب الجمهور بل من ناحية الإنجاز الإعلاني حتى أن المحطة أعلنت قبل أسابيع أن الإعلان على الموقع بلغ حوالي 17 مليون دولار أي حوالي 12% من حصيلة الدخل الإعلاني للمحطة.
لم يكن الإعلان تقليديا بل أخذ شكلا آخر، فعندما ترغب في مشاهدة فيديو معين، حتى لو أرسل لك من خلال صديق عبر الإنترنت أو الجوال، فإن عليك أن تشاهد إعلانا قبل أن تبدأ في مشاهدة الفيديو، وبعد ذلك يبدأ الفيديو حتى لو كان الفيديو لشخص أرسل لقطات من حفلة تخرجه المدرسية مثلا.
المعلنون أحبوا الأسلوب لأنه يعني أنه يأخذ الإنسان على غرة في أجمل الأوقات وهي لحظات تحفزه لمشاهدة لقطة معينة وصلته للتو.
هذا النوع من الإعلان أفضل من الفاصل الإعلاني الذي يمكن أن يمثل لحظات استراحة للمشاهد، وأفضل من الإعلان على الموقع الذي يمكن لعين الإنسان أن تتجاهله تلقائيا، وأحسن طبعا من إعلان الجريدة الذي يمكن للقارئ أن يتجاهله أيضا.
هناك شركات وجدت أساليب أخرى لتحصيل المال من وراء هذه اللقطات مثل بيع مجموعة منها على DVD أو بيعها عبر الجوال، ولكن بقي الإعلان أفضل وسيلة لتحصيل الدخل من وراء فيديوهات الهواة القصيرة التي يبحث عنها الناس لأنها نادرة أو غريبة أو جريئة أو مضحكة أو تمثل لحظات حميمة لأصدقائهم أو لأنها وصلتهم من أصدقائهم.
بعض الشركات التلفزيونية طبقت الأسلوب نفسه على اللقطات المأخوذة من البرامج أو التسجيل الكامل لهذه البرامج، فبدلا من عرض هذا التسجيل _ فيما يسمى بالفيديو عند الطلب Video On Demand أو VOD _ بمقابل مادي أو باشتراك، يتم إتاحة برامج القناة للمشاهدة على الإنترنت مجانا مقابل مشاهدة إعلان قبل مشاهدة هذه البرامج وأثناءها كذلك، الأمر الذي حقق نجاحا غير عاديا في زيادة الإقبال على برامج المحطة وفي الدخل المادي أيضا.
ويبدو أن قطاع تقنية المعلومات قد أدرك أن هذا النوع من الأفلام قد أتى ليبقى وسيكون له تأثيره طويل المدى فتم تطوير برامج باستثمارات بملايين الدولارات لاستقبال هذه الأفلام وفلترتها عبر عدد من الأنظمة مثل التعرف الإلكتروني على الكلمات المثيرة للشبهة والمحددة مسبقا أو التعرف الإلكتروني على نوعية معينة من الصور التي تحتاج للرقابة، ثم وجدت الأنظمة الخاصة بزرع الإعلانات ومراقبة عدد الزوار لكل إعلان ومعلوماتهم الشخصية إذا كانوا مسجلين في الموقع، ثم أنظمة أخرى لتصنيف هذه الفيديوهات وإبراز المميز منها على الموقع وإعطاء الفيديوهات الأكثر مشاهدة وضعا خاصا في الموقع، بعد ذلك قامت شركات تقنية المعلومات باستثمارات ضخمة في شبكات الاستضافة والسرفرات بحيث يمكنك مشاهدة الفيديو بسرعة ووضوح عال حتى لو كان عليه إقبال ضخم، ولك أن تعرف أن موقع “يوتيوب” ينفق سنويا حوالي 20 مليون دولار لاستضافة الفيديوهات فقط على شبكة سرفرات مميزة.
في العام الماضي التقيت برئيس واحدة من أكبر الشبكات التلفزيونية في أوروبا، وكان ضمن حديثه أن شبكات التلفزيون بعد 15 سنة لن يكون اسمها شبكات التلفزيون بل شبكات الفيديو لأن الفيديو بأنواعه _ بما فيها البرامج والأفلام الوثائقية وأفلام هوليوود وغيرها _ والمتاح عند الطلب سيسيطر على استهلاك الفرد للمحتوى الإعلامي المشاهد بل من مجرد فتح التلفزيون وانتظار ما سيظهر عليه، وهو ما سأتحدث عنه الأسبوع القادم.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية