إذا تأملت عالم الكتاب العربي قليلا ستجد أن الكتاب الذي تثور حوله الضجة والصخب والنقاش هو الكتاب الذي يقرأ ويبيع ويتداوله الناس، وإذا كان من الطبيعي أن يكون لدى القارئ فضول لمعرفة ما يدور في تلك الكتب فإن هناك أمرين أساسيين يجعلان هذا الأمر ظاهرة مرضية.
- الأولى: أن الناس في العموم وبكل أسف لا تقرأ إلا هذه الكتب.
- والثاني: أن الضجة والصخب لا علاقة له بتميز الكتاب وإنما بجرأته واستفزازه للجمهور أو بقدرة المؤلف والناشر على التسويق الإعلامي الناجح.
بمعنى آخر، الجمهور العربي من خلال هذه العادة يقول لجمهور المؤلفين ومن ورائهم الناشرين: إذا أردتنا أن نخرج عن طباعنا فنشتري ونقرأ فعليك أن تبذل جهدك لتستفزنا وتخرج على كل حدودنا الحمراء، وسنقرأك حتى لو كان الكتاب عاديا.
من جهة أخرى، لو كتبت كتابا عميقا مميزا فيه الكثير من الجهد والمعلومات ولكن لم تثر حوله الضجة اللازمة فلن نقرأ الكتاب!
أكتب هذا تعليقا على خطة زميل ينوي نشر كتاب له، وقد جهز نفسه لتسويق كتابه من خلال البدء بحملة ضد نفسه وضد الكتاب في منتديات الإنترنت _ وبأسماء مستعارة طبعا _ حتى يغضب الناس ثم يشترون الكتاب بالكميات المطلوبة.
هناك سبب بسيط يفسر هذه الظاهرة المرضية الغريبة.
نحن في الأصل لا نحب القراءة ولكننا نحب الحياة الاجتماعية والجلوس مع الآخرين وصولات وجولات الأحاديث، وإذا كنا سنتحدث عن الكتاب في جلساتنا فلا بد لنا من أن نقرأه أو على الأقل نتصفحه بسرعة مع اقتنائه، حتى تكون صادقا عندما تقول: “أنا عندي الكتاب”.
ورغم أنني استخدم هنا ألفاظ الجمع وعبارات التعميم، فأنا واثق أن القارئ يعرف أن هذا لا يشمل جموعا ضخمة من الشباب والكهول ممن يعشقون القراءة ويرتادون المكتبات ويغوصون في سطور الكتب، ولكن هذه الجموع نسبتها بسيطة جدا مقارنة بالشعوب الأخرى، ولولا ذلك لما كانت لدينا أزمة ندرة الكتاب الجيد حيث لن يبذل المؤلف والناشر الجهود والمال في إصدار كتاب مميز وهم يعرفون أن العائد المالي محدود جدا.
الحالة العربية قد توحي لنا بحل لترغيب الناس في القراءة وهي زيادة نسبة النقاش حول الكتب في وسائل الإعلام، وإثارة الجدل حول نسبة أعلى من الكتب حتى يرغب الناس في القراءة والإقبال على المكتبات.
لو حولنا صدور الكتاب الجيد لمناسبة ثقافية يتحدث فيها المثقفون والنقاد ويتناولون الكتاب بالتشريح والمدح والذم وتناولت وسائل الإعلام مثل هذا الحدث بتركيز أفضل يتجاوز الخبر البسيط الذي ينشر عادة حين صدور كتاب، فهذا قد يشعر الناس أن اطلاعهم على هذه الكتاب صار أمرا مهما لحياتهم اليومية.
كنت في نقاش مع كاتب شن حملة واسعة على رواية “بنات الرياض” لما صدرت، وكان حينها منزعجا من مستوى الإثارة في الكتاب، ومن العنوان، وقلت له حينها: لو لم تختر المؤلفة هذا العنوان ولو وضعت نصيحة دينية في بداية الكتاب توضح أن الرواية تتناول مجرد حالات فردية بينما معظم الناس أفضل من أبطال القصة في حياتهم اليومية حسب ما كان يطلب، لو فعلت المؤلفة ذلك لما قرأ الكتاب أحد بمن فيهم هذا الكاتب المقدام.
لكن اختيار الكتاب ليكون حدثا ثقافيا يجب أن يعتني بالكتب التي تستحق القراءة فعلا حتى لا يكتشف الجمهور العربي فجأة أنه “يسمع جعجعة ولا يرى طحنا”!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية