صناعة النجوم.. فن برئ أم هدف مقصود!!

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 11 مايو 1998|

من هو النجم اللامع، وكيف يمكن لأي شخص عادي أن يصبح فجأة مشهورا تلاحقه عيون الناس وإشاراتهم حيث ذهب؟

أولا؛ ربما كان من السهل الاعتراف بأن حب الشهرة واحد من الخصائص النفسية واسعة الانتشار التي تنمو لدى الشخص منذ الطفولة بسبب ما للشهرة وحديث الناس _ حتى السلبي منه أحيانا _ من دور في تعزيز الذات وتغطية عقد النقص فيها.

لعل أسهل تعريف للنجومية الواسعة هو الصفة التي تجعل الشخص محط سؤال الناس عن حياته الشخصية أو ما وراء أسباب شهرته الرئيسية بسبب انجذابهم إليه.

ربما يظهر طبيب كل يوم على التلفزيون ليتحدث في قضية طبية بينما أحدا لا يبالي بحياته الشخصية، ما وراء آرائه الطبية، بينما يأخذ شخص مغمور غير متعلم دورا ثانويا في مسلسل تلفزيوني فيصبح محط اهتمام قطاعات واسعة من الشباب والمراهقين.

السر الرئيسي في ذلك هو أن هذا الممثل أخذ دورا يرمز لأحلام هذا القطاع الواسع من المجتمع الذي يظن أنه لا يستطيع أن يحقق هذه الأحلام، الظهور في التلفزيون أو الدور التمثيلي الرومانسي أو البطولي الذي ينفذه، ولذا تجد أن الطبيب قد يكون نجما بين تلاميذه والجالية الطبية الذين يحلمون أن يكونوا مثل هذا الطبيب، وتجد الرياضي نجما بين جمهور الرياضة أو الحالمين بتحقيق هذه البطولة الرياضية، وتجد رجل الأعمال الثري نجما بين كل حالم بالثروة والمال.

إذن الأحلام المشتركة للقطاع الواسع من المجتمع هي التي تحدد نجوم هذا المجتمع، فحين يكون المجتمع ماديا بحتا فلن يكون هناك نجم أفضل من الأثرياء، وحين تكون الإنجازات العلمية حلم المجتمع يكون العالم ذا أهمية فيه، وهذا مثلا يفسر النجومية غير المسبوقة لـ«بيل جيتس»، رئيس شركة Microsoft، ومخترع برنامج Windows، لأنه يعتبر أثرى رجل في العالم، يمثل الأحلام المادية، ولأنه أحدث ثورة ضخمة في التعامل مع الكمبيوتر، يمثل أحلام الإنجازات العلمية ذات القيمة لدى المجتمع الأمريكي.

عوامل كثيرة تحدد أحلام المجتمع، لكن في عقد التسعينات هذا ربما كان الإعلام والمرئي منه بالذات هو العامل الأهم في صناعة الأحلام، وإذا قدم هذا الإعلام عارضة الأزياء كمثال الفتاة، ولو بشكل غير مباشر بالاهتمام بحياتها الشخصية، فهو يصنع حلم للفتيات أن يكن عارضات أزياء، وكذلك الأمر بالنسبة للرياضي والعالم وغيره.

الإعلام في نفس الوقت يركض وراء المشاهير، ولذا فهي معادلة تتراكم يوما بعد يوم، ولعل هذه المقولة الأمريكية تشرح شيئا في هذا المجال: «كيف تصبح مشهورا؟ عليك أن تظهر في التلفزيون، وكيف تظهر في التلفزيون؟ تصبح مشهورا!».

لكن صناعة النجوم لم تعد أيضا في التسعينات مجرد صدفة ينتقل فيها الشخص الناجح في قطاع ما إلى الأضواء في مجال من المنافسة العقلانية الشريفة، إنها بالفعل صناعة فيها تجار وبضاعة وعملية بيع وتسويق كأي صناعة في الدنيا، يشمل ذلك في دولة كأمريكا، السياسيين والفنانين والرياضيين ورجال الأعمال.

هناك وكالات متخصصة يشرف عليها رجال أعمال اتخذوا من تسويق النجوم عملا دائما لهم يبحثون فيها عن البضاعة الجيدة، الأشخاص المؤهلين للنجومية، ويبيعونها ويقيمون لها حملات دعائية ضخمة ليحصلوا في مقابل ذلك على دخل مادي مجز جدا.

هناك وكالات متخصصة لـ«إدارة الحملات الانتخابية» التي يذهب إليها شخص ما راغب أن يصبح سياسيا في مقابل مبلغ _ بالملايين عادة _ وهو أمر مقبول جدا إلى درجة أن العقد بين السياسي والوكالة ينشر في الأخبار كأي أمر إيجابي، وتضع الوكالة استراتيجية لتسويق هذا الشخص تبدأ من الاستفادة من علاقتها مع المجتمع الإعلامي الذي يبدأ بتقديم حوارات صحفية وكتابة تحليلات عن هذا الشخص وحتى أحيانا تقديمه عبر رسوم الكاريكاتير، وتمر بشراء إعلانات لهذا المرشح السياسي تظهر في دقيقة أو نصف دقيقة بشكل سريع وخاطف تحتوي على بعض الكلمات التي تمدح المرشح السياسي ويتحدث فيها عن نفسه بأنه «الأفضل» للموقع المرشح له، أو تهاجم المرشح المنافس بكل «بذاءة» يمكن تخيلها، وتنتهي بتحديد كل كلمة يقولها المرشح في المناسبات الاجتماعية التي تنظمها الوكالة والتي تدور عادة حول عدد من المحاور الرئيسية التي تمثل نقاط ضعف لمناقسه.

لأن هذه الإعلانات والمناسبات الاجتماعية مكلفة أيضا تضخ ملايين الدولارات لشرائها، وتعتبر حملة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في عام 1996، هي أغلى حملة سياسية في التاريخ الأمريكي، حيث كلفت حوالي 240 مليون دولار أمريكي، والذي اعتمد على وكالة مشهورة، ولذا فإن معظم الصحف الأمريكية تعيد نجاح كلينتون، في الانتخابات إلى حسن اختياره لوكالة حملته الانتخابية، بينما اختار منافسه بوب دول وكالة أضعف منها، واختار روس بيروت، الوكالة الأضعف فظهرت النتائج بفوز الرئيس كلينتون.

لكن هذا التضخم المتزايد لتكاليف الحملات الانتخابية وانتهائها بهذا الشكل «الفوز لصاحب المال الأكثر» أقلق العديد من القطاعات الأكاديمية والإعلامية في أمريكا، ويوجد حاليا حوالي 15 مركز أبحاث في أمريكا هدفها الرئيسي دراسة هذه القضية ومتابعتها وإيجاد حلول لها، أحد هذه المراكز تابع لجامعة هارفارد، وآخر أسسه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.

د. ليندا كايد، رئيسة مركز الإعلام السياسي بجامعة أكلاهوما الأمريكية، أكبر هذه المراكز على الإطلاق، شرحت أن تقديم الرؤساء في عملية تشبه «بيع الصابون» معناه النهاية الحتمية لجوهر النظرية الديمقراطية التي قامت عليها الولايات المتحدة، وهذا قد يعني على المدى الطويل انهيار الأسس الفكرية المؤسسة للنظام السياسي والاجتماعي الأمريكي.

الفنانون السينمائيون الذي أظهر الإعلام الأمريكي تفوقه المطلق في تقديمهم للعالم لا يختلفون عن السياسيين، افتح أي صفحة للأخبار السينمائية في أي مجلة عربية وستجد أن الأمريكيين وحدهم بين كل الجنسيات من غير العرب الذين تقدم أخبارهم.

يذهب الشخص الحالم بدخول عالم السينما أو التلفزيون ويدور من وكالة لأخرى حتى يقتنع أحدهم به أو بها فيأخذ له بعض الصور ويطلب منه أداء دور صغير يسجل على فيديو ثم يذهب الوكيل صاحب العلاقات الواسعة مع المنتجين والمخرجين ليقدم لهم هذا الشخص ويحاول إقناعهم بأخذه في الأفلام الجديدة، وهكذا يبدأ الشخص في شق طريقه ويساعده الوكيل بكل ما يملك من علاقات وأفكار وجهد ومال، لتسويق هذا الشخص عبر وسائل الإعلام فتجرى معه الحوارات الشخصية وتقدم موضوعات عن حياته وأخبارا عن فيلمه القادم والتقاط صور له في مناسبات اجتماعية وخيرية، مثلا حفل جمع تبرعات لمرضى السرطان، وحتى أحيانا مقالات ساخرة منه مادام الثمن هو الشهرة.

لماذا يفعل الوكيل كل هذا؟

لأنه يكتب عقدا مع هذا الشخص بالحصول على نسبة من كل أرباحه المستقبلية _ تصل أحيانا لـ50% _ أو خلال فترة محددة، في المتوسط 10 سنوات، وهذا يعني أحيانا الملايين للوكيل.

أيضا الوكيل يساعد مؤلفي الأفلام على بيع السيناريوهات والأفكار التي يملكونها بأعلى سعر ممكن، ولعل قصة ذلك المؤلف الذي أبدع في كتابة قصة حياته كمنظف في كلية يراقب فيها كل مايحدث في الكلية من مفارقات وقصص خير مثال لذلك.

عرض المؤلف قصته على إحدى المحطات التلفزيونية فعرضت عليه خمسة آلاف دولار ثمنا لها، لكن لما استأجر هذا الشخص وكيلا له استطاع بيع القصة للمحطة نفسها بمبلغ 750,000 دولار مع شرط كون المؤلف هو النجم الأول في القصة الذي يمثل نفسه.

الرياضيون كذلك يدخلون في عقود مع المدربين الذين يلتقطونهم من صغرهم فيدربوهم ويرتبوا لهم عقودا ضخمة مع الفرق الرياضية مقابل نسبة دائمة من كل أرباحه في المستقبل، والملاكم مالك تايسون، هو واحد من الرياضيين الذي يدفع نسبة كبيرة من كل أرباحه للشخص الذي «اكتشفه» أثناء خناقة في حارته والتقطه وجعل منه بطل ملاكمة عالمي.

ووكالات «تحسين السمعة» أمر شائع في أمريكا، يلجأ إليها كل مشهور يعاني من هجوم الإعلام عليه لأي سبب من الأسباب، لجأ إليها بيل جيتس، أثناء معركته الأخيرة مع الكونجرس الأمريكي لمواجهته تهمة احتكار البرنامج الذي يمكن من خلاله الطوفان في شبكة الإنترنت بتوزيعه مجانا مع Windows، ولجأ إليها قبل أسبوعين المحقق كينث ستار، المسئول عن التحقيق في الاتهامات الأخيرة الموجهة للرئيس كلينتون، بعد هجمة الإعلام عليه بأن وقت التحقيق الطويل استنزف أموال الدولة وأشغل الحكومة عن إدارة الشئون الأمريكية.

حتى «النجوم» صارت تصنع وتباع لكن بالتأكيد الضحية هم الأشخاص الذين يغريهم الإْعلام بالسقوط في محبي هؤلاء النجوم.

لقد أثبتت الدراسات أن نسبة الجريمة تنتشر بشكل أعلى بكثير بين المراهقين الذين يتابعون أفلام العنف من غيرهم، كما أنه من المسجل أن فناني موسيقى «الروك آند رول»، و«البيتليز»، هم المسئولون عن ثورة الإباحية الجنسية التي بدأت في أمريكا في الستينات الميلادية وفي انتشار المخدرات بين المراهقين الذي تدفع أمريكا اليوم ثمنه غاليا من خلال النسب العالية للمشاكل الاجتماعية المرتبطة خصوصا بهاتين القضيتين.

من يقرأ سيرة الرسول، عليه الصلاة والسلام، يدرك وعيه العظيم لهذه القضية الهامة، ولذا فليس من الغريب أن الجمهور العام من المسلمين يعرف عددا بسيطا من الصحابة الكرام، قد لا يتجاوز عددهم الخمسين، من بين 10,000 صحابي حضروا خطبة الوداع، لكن الرسول، عليه الصلاة والسلام، من خلال تركيزه على هؤلاء الصحابة في مدحه لهم حسب ما نقلته لنا كتب الحديث يرينا كيف أنه عليه الصلاة والسلام، اختار أعظم الصحابة لتقديمهم للناس وقدم فيهم أعظم صفاتهم والتي تمثل القيم الرائعة لدين الإسلام والتي استمرت قرونا من الزمن إلى أن ضعف ارتباط الناس بهذه الأمثلة وصار ارتباطها بـ«نجوم» تحمل قيم أخرى مما كان أحد العوامل في انحدار الأمة الإسلامية.

والتاريخ نفسه يذكرنا بسقوط الأندلس التي كانت أيام مجدها ترى في عبدالرحمن الداخل، المثال، ثم صارت ترى في الشاعر العاشق ابن زيدون، مثالها، وكان الثمن سقوط الأندلس إلى يومنا هذا.

* نُشر في جريدة المسلمون الدولية