قبل أيام مرت الذكرى السابعة لتأسيس “تويتر”، الشبكة الاجتماعية التي غيرت حياة كثير من الناس، وغيرت الطريقة التي تتحرك بها المعلومات في المجتمعات وعلى شبكة الإنترنت بشكل عام.
“تويتر” تمتلك اليوم أكثر من نصف مليار مستخدم، حوالي 200 مليون منهم على الأقل نشط في التغريد، ولأن “تويتر” تتطلب حدا أدنى من التعليم حتى يمكن استخدامها – بخلاف “فيس بوك” مثلا – فإن تويتر تكاد تستولي على القطاع الأفضل دخلا والأكثر تعليما والأقوى تأثيرا في مختلف بقاع الأرض.
“تويتر “ينمو حتى الآن بسرعة خرافية، فهناك حوالي 460 ألف حساب يفتح يوميا، و177 مليون تغريدة يوميا، ومجرد أن يستطيع موقع إنترنت أن يحقق هذا النمو وهذا التأثير في 7 سنوات أمر لم يكن ممكنا لأي ظاهرة ثقافية أو اجتماعية في تاريخ الإنسانية، لولا “ثورة المعلومات” التي صارت عامل تسريع رهيب في تطور الأمم (هذا المثال وحده دليل كاف على أن الدول أو الشركات التي تتحرك ببطء مصيرها دائما الفشل والتدهور لأن سرعة الحركة في العالم كفيلة بتغيير كل شيء في عدة سنوات فقط).
كيف استطاع مجموعة من الشباب الأمريكيين صناعة هذه الأسطورة؟
هنا محاولة شخصية سريعة لتفكيك سبعة أسرار لنجاح الشبكة.
- أين يمكن تمويل مشروع بهذه الضخامة مع دخل مادي محدود لعدة سنوات ؟، فقط في الولايات المتحدة، حيث توجد أفضل بيئة لتشجيع المشاريع الناشئة والريادية، وتمويلها، من خلال آلية طبيعية تنبثق من وسط القطاع الخاص نفسه، بدعم لا مثيل له في العالم من الوسط الأكاديمي والجامعات، وبعيدا عن التدخل البيروقراطي للحكومات.
هذا سمح للقائمين على “تويتر” لعدة سنوات بالتركيز على الانتشار والنجاح بعيدا عن الانشغال بتحقيق الأرباح، هذا يعني أن “تويتر” لم تضطر لتغيير خصائصها ومميزاتها للتناسب مع مصادر الدخل.
في الحقيقة، حتى قبل 3 سنوات فقط، كانت “تويتر” تُعلن على موقعها أنها لم تحدد بعد كيف ستحقق دخلها، وأنها ستفعل ذلك لاحقا، وكل تركيزها حاليا هو على صناعة قصة نجاح ساحقة.
من النادر أن تجد بيئة استثمارية تسمح لإنفاق بهذا الحجم بينما كيفية تحقيق الدخل ما زالت مجهولة.
- “تويتر” بسيط وسريع؛ فهم القائمون على “تويتر” مبكرا أن الناس تغيرت في عصر ثورة المعلومات. الناس تريد شيئا سهلا وسريعا جدا ولا يقبل التطويل والإضافات.
لذلك تجد التطوير على تويتر محدودا (بخلاف فيس بوك مثلا) لأنه يحاول دائما أن لا يفقد بساطته وتآلف الناس مع عناصره. البساطة والسرعة هي سر نجاح أساسي لأي منتج إعلامي تكنولوجي في عالمنا اليوم.
- “تويتر” قررت تحويل نفسها قبل سنوات من “شبكة اجتماعية” إلى “شبكة إعلامية” وهي فعلت ذلك كرد فعل ذكي على استخدام الناس لها، ولكنها فعلت ذلك دون أن تسبب اضطرابا لبساطتها واستخدام الناس لها.
اكتشفت “تويتر” أن أكثر من 50% من مستخدميها يقرؤون ولا يشاركون، مما يعني أن هذا يحولها لوسيلة تلقي معلومات أكثر من كونها شبكة اجتماعية.
هذا تطلب من “تويتر” خطة تسويق مختلفة وتغييرات سريعة جعلها تركز على “الهاشتاق” لتحوله لموضوع حوار عالمي ومكان ممتع للقراءة، وشجعت المشاهير ووسائل الإعلام على الانضمام لـ”تويتر” بكافة الطرق والاستفادة منه، وسعت دائما لتطوير “اكتشاف” الشبكة (Discover) والذي يسمح لك بمعرفة الموضوعات الهامة والاطلاع عليها، وصنفت المشاهير إلى فئات، وطورت معادلات ذكية (Algorithm) لترى “التغريدة الأفضل” (Top Tweet) عندما تقوم بالبحث والتصفح، ولتقدم لك اقتراحات لمن يمكن أن تتابعهم.
- حاليا نصف بالمائة من مستخدمي تويتر النشطين (أي عشرين ألف شخص) يتابعهم ويقرأ لهم أكثر من 50% من مستخدمي “تويتر”.
من جهة أخرى، فإن وسائل الإعلام هي حاليا الأنشط على تويتر في نشر المعلومات والأخبار، ولكن يقرأ لهم 15% فقط من مستخدمي تويتر، هذا يعني أن تويتر غيرت مذاق الناس وعاداتها الإعلامية من استهلاك المادة الإعلامية من وسائل الإعلام إلى معرفة المعلومة الآنية من مصدرها مباشرة، الشخص المشهور أو المسؤول أو المنظمة الهامة أو النشطاء أو شهود العيان قبل أن تذهب للمؤسسة الإعلامية.
هذا التغيير الذي جاء من استراتيجية “تويتر” الإعلامية (التي أشرت إليها أعلاه) هو أيضا سر رائع من أسرار نجاح “تويتر”.
- “تويتر” ركز أيضا على آنية الحركة وسرعتها، ليوجد عددا من الميكانيكيات الداخلية التي تجعله يتحرك بسرعة تتوافق مع سرعة الجمهور وحركتهم اليومية. هذا شجع الناس على المزيد من التواصل اليومي، والمزيد من الكتابة، وبالتالي المزيد من الآنية في الحركة، مما حول تويتر للمصدر الأسرع للأخبار، والأقوى في التأثير في المجتمعات، ولو قارنت هذا بمواقع مثل “فيس بوك” و”يوتيوب” وغيره لرأيت الفرق في هذا الجانب.
لهذا هناك تركيز هائل في “تويتر” على إمكانية المشاركة والرد ومشاركة الصور والفيديوهات وقريبا الموسيقى أسرع من أي موقع آخر في العالم.
- استطاع “تويتر” أن يبني علاقات مع عدد كبير من المطورين التقنيين وسمح لهم بأن يبنوا تطبيقات ومواقع متمركزة حول تويتر، بدون أي تكلفة، مما أوجد مئات المنتجات التقنية المتمحورة حول “تويتر”، رغم أنه حتى وقت قريب، لم يكن أسلوب تحقيق الربح واضحا لأحد.
- فهمت شركة “تويتر” مبكرا جدا تأثير الموبايل على حياة الناس، ولذلك صممت نفسها لجهاز الموبايل من اللحظة الأولى، وهذا جعلها جزءا من حركة الناس على مدار الساعة.
إحصاءات “تويتر” عن استخدامها على الموبايل مقارنة بالكمبيوتر صادمة وتؤكد ذكاء الشركة في حركتها، مقارنة بـ”فيس بوك” التي أهملت الموبايل لسنوات عديدة.
باختصار، هي قصة نجاح، آمن بها مؤسسوها، وانتقل الإيمان للناس حول العالم كالعدوى.
ما هو مستقبل “تويتر” ؟ هذا موضوع مقال قادم إن شاء الله.
* نُشر المقال في جريدة الوطن السعودية