ظهر في العامين الأخيرين اتجاه واسع في أوساط المؤسسات الحكومية حول العالم لوضع خدماتها والتواصل مع جمهورها عبر «الإعلام الاجتماعي» Social Media، وظهرت تجارب مبهرة في النجاح السريع الذي حققته في دعم الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وتعزيز الصورة الذهنية للمؤسسة الحكومية، وتسهيل التواصل اليومي بين المؤسسة وعملائها.
وإذا كان مصطلح web 2.0 يعبر عن شبكة الإنترنت التفاعلية بعد أن تم تعزيزها بأدوات التواصل الاجتماعي، فإن Government 2.0 هو مصطلح يعبر عن “الحكومة التفاعلية”، أي الاستخدام الحكومي المكثف لوسائل الإعلام الاجتماعي لتعزيز الاتصال والخدمات الحكومية.
قبل أسابيع كتبت عن “تحويل الشركات إلى كائن اجتماعي” والذي ذكرت فيه أهمية “أنسنة المؤسسات”، وهو البعد الذي وصل إلى عالم الشركات مع الشبكات الاجتماعية، وقد التقط هذه الأفكار المتحمسون لتطوير “الخدمة العامة” والعمل الحكومي في أمريكا وأوروبا، وبدأوا في بذل جهود مماثلة لـ”أنسنة المؤسسة الحكومية” ونشأ عنها كل التطبيقات.
تخيل هذا السيناريو لوزارة ما؛ تدخل على “فيسبوك”، وتحمل تطبيق خاص على صفحة الوزارة، تسجل معلوماتك ويصبح لديك بروفايل، بعد ذلك تستطيع خلق حوار إنساني عام مع القائمين على الصفحة، تتحدث معهم، ترسل لهم معاملاتك، يسمعون لاقتراحاتك، ويضع لك الموظف في نهاية الكلام علامة ابتسامة.
ليس ذلك فحسب، بل إن هذه النقاشات يتم تحليلها كلها بشكل منتظم لاكتشاف فجوات الخلل، فهم الانتقادات والاقتراحات، إحداث تطوير داخل المؤسسة حتى يمكن التجاوب مع أسئلتك بشكل أسرع، وضع موظفين للمهام التي عليها طلب أكبر من الجمهور.
باختصار، الشبكات الاجتماعية لا توفر للمؤسسة فرصة لخلق حوار إنساني مع الجمهور، وعلاج المشكلات بشكل ميسر وسهل، بل وأيضا توفر معلومات لم يمكن الحصول عليها من قبل “إلا من خلال أبحاث السوق المكلفة والبطيئة”، ولذلك تسمى عمليات تحليل المعلومات التي يتم جمعها عبر الشبكات الاجتماعية بـ”الاستماع الاجتماعي Social Listening“.
لذلك كله سعت الكتب التي ظهرت في هذا المجال لاستخدام هذا التحول جذري في المؤسسة الحكومية لمعالجة مشكلات عانتها تلك المؤسسات لعقود طويلة، ومن ذلك مثلا إيجاد نموذج للمؤسسة الحكومية يتمركز بشكل كامل حول احتياجات المواطن (Citizen-Centered Government)، كما ظهرت دراسات تركز بشكل خاص على القطاعات العسكرية والأمنية وكيف يمكنها إعادة هيكلة تلك القطاعات بشكل كامل بحيث تخلق علاقة أكثر “حميمية وإنسانية” مع أفراد السلك العسكري والأجهزة الأمنية في تلبية احتياجاتهم وتحقيق راحتهم مما ينعكس على الولاء والإيجابية والإنتاجية بشكل عام.
أحد الدروس الهامة التي يمكن تعلمها من التجارب الأخرى أن إحداث هذا التحول ليس بالأمر السهل ويحتاج جهدا كبيرا، ولكن اللطيف أنه بينما أحدثت تطبيقات الحكومة الإلكترونية خوفا لدى الموظفين من فقدان وظائفهم، وبينما صار المسؤول الحكومي يتعامل مع شركة تقنية لإحداث التحولات، وبينما كان الجمهور يشعر بـ”الجفاف” في التعامل مع القادم الجديد، فإن التطبيقات الاجتماعية تشعر الموظف بقيمته، والحاجة الماسة إليه لإحداث التواصل الإنساني، وتعطي المسؤول الفرصة ليكون له دور في خلق التغير الجذري، والجمهور أيضا يتعامل بسهولة أكبر وبراحة أكبر حسب ما توضحه هذه الدراسات.
أطلعت على قائمة المشاريع التي قامت بها لجنة متخصصة للحكومة التفاعلية (Government 2.0 Taskforce) في أستراليا، لتجد أن منها مشاريع تتعلق بتنظيم المعلومات الحكومية المتاحة للجمهور وتحديثها حتى يمكن الاستفادة منها في الإجابة على أسئلة الناس والتحاور معهم، ويشمل ذلك الصور والفيديوهات التي يمكن وضعها على مواقع الشبكات الاجتماعية.
هناك أيضا جهد كبير لإيجاد إرشادات وضوابط للحوار الذي يديره الموظف الحكومي مع الجمهور بحيث يكون مفيدا ولائقا وغير متكلف في آن واحد، هناك مشروع لأرشفة هذه الحوارات وتوثيقها، بالإضافة لما ذكرته سابقا من تحليل المعلومات بشكل متكامل.
أحد المشاريع تناول التعامل مع “الأزمات” وآخر يتناول بعض الوظائف المتخصصة مثل كيفية التعامل مع شكاوى العنف العائلي التي تصل لمؤسسات الشؤون الاجتماعية عبر مواقع “فيسبوك” و”تويتر”.
هناك طبعا تركيز على خلق مادة الفيديو المناسبة التي يمكن وضعها على الشبكة الاجتماعية “يوتيوب بالذات” بحيث تفيد في دعم مهام المؤسسة الحكومية، إلى آخره من المشروعات.
الحكاية باختصار أن الشبكات الاجتماعية أعطت فرصة هائلة – وهي مسؤولية أيضا – للمؤسسات الحكومية لتطور نفسها، وهذا التطوير لا يشمل فقط دعم الصورة الذهنية الإيجابية للمؤسسة – وهو أمر بدأته عدد من المؤسسات الحكومية الخليجية – بل أيضا يتناول دعم الخدمات وإعادة هيكلة المؤسسة الحكومية لتصبح أكثر ذكاء وإنسانية وفعالية ونجاحا..